أحمد طلب الناصر
لا يتوانى أنصار الأسد ومؤيدوه عن إبراز أساليب تشبيحهم خارج حدود مناطق النظام، لتصل إلى الدول الأوروبية التي قصدها المهَجّرون السوريون الهاربون من قمع النظام السوري وآلة حربه.
جزء بسيط من أولئك الأنصار هم من المقيمين داخل تلك الدول منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية، أمّا الغالبية العظمى منهم فقد ركبوا موجة اللجوء على حساب أبناء المناطق الثائرة الفاريّن من بطش نظام الأسد.
وما إن حطّت تلك الفئة رحالها داخل دول أوروبا، وتمّ قبولها ضمن برنامج اللجوء الإنساني (الحماية المؤقتة)، حتى عادت إلى ممارسة تشبيحها في السرّ والعلن مستغلّة هامش الحريّة والديموقراطية الذي تتمتّع به بلدان اللجوء الأوروبي وقوانينها المستمدّة من المبادئ الرئيسة لحقوق الإنسان.
في بداية الأمر، كانت تلك الممارسات مقتصرة على وضع صورة علم النظام أو رئيسه وبعض رموزه في منازل المؤيدين أو على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، لتتطور الأمور لاحقاً، لا سيما بعد الدعم الروسي المباشر ومجازره الدموية ورجحان كفة النظام، ويتحوّل التأييد الشخصي والخاص إلى تشبيح معلن يُمارس من خلال منشورات ومقاطع تستفزّ السوريين المهجّرين قسرياً، بل ووصلت الحالة عند البعض إلى تنظيم مسيرات مؤيدة للنظام داخل مدن أوروبا.
مع مرور الوقت، أدركت بعض حكومات وشخصيات الدول
المستقبلة للاجئين انعكاس وجود تلك الفئة على مجتمعاتهم واقتصادهم، لا سيما وأن
معايير اللجوء الإنساني لا تنطبق على أفرادها، ما دفع وزير داخلية (بافاريا)
الألمانية، يواخيم هيرمان، إلى ضرورة التفريق بين اللاجئين السوريين المؤيدين
لنظام الأسد، واللاجئين السوريين المهددين فعلاً من هذا النظام.
وقال الوزير هيرمان، في إحدى مقابلاته المتلفزة:
“أدعو المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، إلى التفريق بين اللاجئين السوريين
المؤيّدين للأسد، وبين المهدَّدين من قِبل نظامه، في حال ترحيلهم”، مشيراً
إلى أنه “لا يمكن توقّع تعرّض مناصري الأسد للتعذيب، في المناطق التي يحكمها”.
وما إن انتشر تصريح هيرمان حتى لوحظ سحب الرموز والصور والشعارات المؤيدة لنظام الأسد من صفحات المؤيدين المقيمين في ألمانيا خوفاً أن يطالهم الترحيل في حال تم تبنّي دعوة الوزير وتنفيذها من قبل الحكومة الألمانية.
وبمعزل عن تعارض رغبة هيرمان مع بنود قوانين اللجوء عموماً، إلا أنها تبقي باب الاحتمالات مفتوحاً مع التغيّرات المتسارعة التي تطرأ على المشهد السوري، وكذلك دفعت بالمؤيدين على إعادة حساباتهم جيداً، قبل التفكير بممارسة حرياتهم (التشبيحية) داخل المانيا، أو أن يعودوا بها إلى بلدها الأصل في أحضان نظام الأسد.
أمّا في جارة المانيا، النمسا، ينظر القضاء النمساوي في بعض القضايا المرتبطة بالمؤيدين، ولكن من جوانب لها علاقة بانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب الجرائم بحق السوريين.
ومن بين تلك القضايا، دعوى ضد عميد سابق في النظام السوري، واسمه “خالد الحلبي”، من مدينة السويداء، لجأ إلى النمسا في العام 2015؛ وقد كان يدير فرع “أمن الدولة” بمدينة الرقة، واتهم بارتكاب جرائم تعذيب بحق معتقلي المدينة بالاستناد إلى العديد من أدلة التجريم التي تم جمعها من قبل منظمة حقوق الإنسان ولجنة العدالة الدولية والمساءلة.
وتقدم عدد من الضحايا، ممن أكدوا تعرضهم للتعذيب في الفرع الذي ترأسه “الحلبي” بشكاوى أمام المحكمة المختصة؛ وقد ادّعى العميد انشقاقه عن النظام قبيل سقوط الرقة في أيدي المعارضة السورية عام 2013.
وتبقى قضية الشبّيح “فادي شمعون” هي الأكثر انتشاراً واستفزازاً ليس في النمسا وحسب، بل على نطاق دول اللجوء جميعها، إذ حمل “شمعون” علم (حزب الله)، في مطار النمسا لدى استقباله عائلته في إطار نظام (لم الشمل) أوائل عام 2018، وقام بوضع علم الحزب المصنف إرهابياً على كتفيه، وتوجّه بعبارات التأييد لرئيس النظام بشار الأسد.
وقد تقدّم العديد من اللاجئين السوريين، بشكاواهم لدى
السلطات النمساوية لإقناعها بتورط شمعون في أعمال عسكرية ضد السوريين، قاتل فيها
لصالح الأسد، منخرطاً في ميليشياته، مشاركاً في سفك دماء السوريين مع عناصر حزب
الله.
وشمعون هذا هو أحد قادة ميليشيات (الدفاع الوطني)
التابعة لجيش الأسد، وقاتلت في القامشلي والحسكة.
وما زال ذلك (القائد) يصرّ على نشر مقاطع وصور، على
صفحته الشخصية، يحمل فيها أسلحة ثقيلة تثبت مشاركته في قتل السوريين إلى جانب
عصابات الأسد. ويظهر في أحد المقاطع العائدة إلى العام 2014 قيامه مع رفاقه في
الميليشيات بتصفية 32 معارضاً من أحد الألوية السورية المعارضة للأسد؛ ومقطعاً آخر
يتحدث فيه عن مشاركته بقتل مدنيين في حي “غويران” الواقع في مدينة
الحسكة.
وتفاعلت السلطات النمساوية مع المناشدات التي تقدم بها
اللاجئون السوريون ضد فادي شمعون منذ شهر نوفمبر الماضي، حينما استجاب القسم الخاص
باللاجئين في وزارة الداخلية النمساوية، والمكتب الفيدرالي للهجرة، لجميع الوثائق
التي يمكن أن تؤدي إلى ترحيل الرجل من البلاد، وعلى رأس هذه الوثائق، تأييده
لمنظمة إرهابية.
وبالعودة إلى ألمانيا، انتشر مؤخراً مقطع فيديو لمجموعة من 5 شبّان سوريين، يُطلق عليهم في صفحات التواصل وبعض مواقع الإعلام (عجيان البانهوف) يصفون أنفسهم بشبيحة وجنود الأسد، ويقومون بأداء أغنية تمجد رأس النظام السوري بشار الأسد وأخيه ماهر. أمام تلك الظواهر، والكثير غيرها مما لا يسعنا عرضها في هذه المادة، يشعر العديد من السوريين الهاربين من بطش الأسد وشبيحته، نفسياً، بأنهم تحت سيطرة الأخيرين؛ وباتوا يخشون من تأثير (شبيحة أوروبا)، حسب تعبيرهم، وانعكاسه سلباً على وجود السوريين عموماً في الشارع الأوروبي والرأي العام المؤثّر داخل وسطه. وهنا، كتب أحد أولئك اللاجئين على صفحته الشخصية: “طالما هم يؤيدونه ويحبونه، فلماذا لا تساعدهم الحكومة الألمانية وتعيدهم إلى حضن حبيبهم؟”.