في كل مرة تسيطر فيها إحدى القوى المتصارعة على المحافظة الواقعة في الشرق السوري، كان استغلال الخزان البشري المتواجد فيها واستخدام شبابها كوقود في المعارك، إحدى أهم أهدافها.
تصاعدت في دير الزور وريفها على مدار الأسابيع الماضية حدة التجنيد الإجباري، سواء داخل المناطق الخاضعة للنظام والميليشيات المدعومة من إيران، أو داخل المناطق المسيطر عليها من قبل “قسد”.
وكما فعل “تنظيم الدولة” من قبل، تسارعت خطوات النظام و”قسد” من بعده لتغذية قواتهما بالمزيد من العناصر سواء عبر طوعاً، أو كرهاً، وعبر إتباع أساليب مختلفة، وسلوك طرق عدة.
المناطق الخاضعة لنظام الأسد والميليشيات، والمتمثلة في مدينة دير الزور وريف المحافظة الشرقي والغربي (جزيرة)، اعتقل فيها الكثير من المدنيين العائدين إلى مناطقهم بعد طرد “تنظيم الدولة” منها، بهدف إجبارهم على القتال في صفوف قوات النظام بصفة خدمة إلزامية أو احتياطية.
المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست”، تشير إلى أن التجنيد الإجباري، فتح باباً للارتزاق والرشوة لضباط النظام، عبر تحصيل الأموال من الراغبين بالتهرب من الالتحاق بالخدمة الإلزامية أو الاحتياط.
وفي هذا الإطار، فإنه وفق ما تم توثيقه من حالات داخل مدينة دير الزور وريفها، ابتكر ضباط من قوات النظام طريقة جديدة لتحصيل المال، تتمثل بمنح الراغب بالتهرب من التجنيد، هوية عسكرية تتبع لإحدى الميليشيات المحلية التابعة لقوات النظام وتزعم أنه متطوع في صفوفها، وذلك بعد دفع نحو مليون ليرة لمانحيه هذه البطاقة، ما يسهل حركته داخل منطقته، أو عند المرور من الحواجز الأمنية والعسكرية.
إضافة إلى ذلك، فإن محاولات تجري لدفع عدد كبير من أبناء المنطقة إلى التطوع في صفوف ميليشياته المحلية أو الميليشيات المتعددة الجنسيات الموالية له، ومن بين هؤلاء مئات الأطفال.
وتشير الأرقام التي حصلت عليها “فرات بوست” من مصدر خاص، إلى أن النظام ومنذ طرد “تنظيم الدولة” من دير الزور، جند أكثر من 300 طفل في صفوف ميليشياته المحلية (الدفاع الوطني) وفروعه الأمنية، أو في “حزب الله” أو “الباقر” وغيرها من الميليشيا المدعومة من إيران.
أما في مناطق “قسد”، فاستطاعت “فرات بوست” توثيق تجنيد أكثر من 500 طفل في صفوف القوات المدعومة من التحالف الدولي، بعد طرد “تنظيم الدولة من الرقة وريف دير الزور.
النظام في سياق متصل، لعب على الجانب المادي، عبر التضيق على السكان اقتصادياً، ما يدفعهم إلى طريق التطوع في صفوف إحدى ميليشياته، التي تقدم رواتب مغرية قياساً بمعدلات الدخل الحالية.
الرواتب للمتطوعين في صفوف قوات النظام أو إحدى الميليشيات المتحالفة معها، تقول مصادرنا، إن “حزب الله” و”الباقر”، هما الأعلى بين أقرانهما من الميليشيات الأخرى، لأنهما يمنحان كل متطوع في صفوفهما راتب يتراوح ما بين 60 إلى 100 ألف ليرة، أما الفروع الأمنية فتمنح كل متطوع 50 ألف ليرة شهريا، بينما لا يتجاوز راتب الملتحق في صفوف قوات النظام حاجز الـ40 ألف ليرة.
الملفت في المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، أن بعض الميليشيات تحاول إغراء الراغبين بالتطوع (إضافة إلى الراتب) عبر حافز مادي، يتمثل في “التعفيش”، عبر منح العنصر حرية السرقة من منازل المدنيين داخل أي منطقة يتم السيطرة عليها، أو وضعه على الحواجز والمعابر مع التغاضي عن الأموال التي يحصل عليها من المدنيين وأصحاب الآليات المارين عبرها، وبالتالي يكون الراتب عبارة عن “تحصيل حاصل” كما يردد بعض من سلك هذا الطريق، لأن الأبواب الأخرى لتحصيل المال (تعفيش من المنازل، تشليح في المعابر والحواجز) تبقى أكثر أهمية بالنسبة إليه.
كما أن الذي يتطوع في صفوف الميليشيات المحلية مثل “الدفاع الوطني” يبقى داخل محافظته فقط، ولا يتم إرساله إلى مناطق أخرى كما تفعل قوات النظام، وهي من المزايا التي تروجها هذه الميليشيات لدفع الشباب إلى الالتحاق بصفوفها.
“قسد” بدورها، حاولت الاستفادة من المدنيين المتواجدين في المناطق التي طرد التنظيم منها، في سبيل دعم صفوفها بالمقاتلين، لذلك اتخذت من الحواجز وسيلة رئيسة للقبض على الشباب وإجبارهم على الالتحاق بها، لكنها في الوقت نفسه، حاولت تجنب فعل ذلك داخل مناطق العشائر الكبيرة.
هذا الأمر كان من أبواب الابتزاز المادي للسكان، وإذا كان ضباط النظام يشترطون دفع مليون ليرة للمتهربين من التجنيد، فإنه في داخل المناطق الخاضعة لـ”قسد” يتوجب دفع مبلغ يتراوح ما بين 2000 و3000 آلاف دولار، لمن يتم إلقاء القبض عليه بحجة التجنيد، إذا رغم باطلاق سراحه.
أخيراً، ومن الأمور الواجب ذكرها في هذا المجال، قبول كلا الطرفين (قسد – النظام)، بمتطوعين من المقاتلين السابقين في صفوف “تنظيم الدولة”، ووثفت “فرات بوست” عشرات الأسماء من عناصر “تنظيم الدولة” من حملة الجنسية السورية، والذين تطوعوا في صفوف ميليشيات النظام المحلية أو “قسد”.
بقلم الصحفي في فرات بوست : محمد العمر