تشير التطورات الميدانية الأخيرة في الرقة، والمتمثلة في الاقتتال الداخلي بين فصائل منضوية تحت راية “قسد”، والحملات الأمنية المكثفة في الريف والمدينة، إلى وجود توجهات مستقبلية خطيرة، يتم التخطيط لها من تحت الطاولة، بين قوى أقليمية ودولية، وهي تتعلق بمستقبل ومصير المحافظة برمتها، فماذا جرى؟.
“وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعد المكون الأساسي في “قسد”، تمكنت نهاية الأسبوع الماضي من حسم صراعها مع “لواء ثوار الرقة”، واعتقلت قائده المعروف باسم “أبو عيسى” (قبل إطلاق سراحه اليوم الاثنين)، إضافة إلى العشرات من عناصره، وذلك عقب يومين من محاصرة مقراتهم الأساسية في شمال الرقة (الفرقة 17)، وحدوث اشتباكات محدودة بين الطرفين.
بعد التخلص من “ثوار الرقة” الذي كان يتخذ من علم الثورة السورية راية له، شنت الميليشيات الكردية اعتقالات ومداهمات واسعة النطاق على مدار الأيام الماضية، وشملت بشكل رئيس ريف المدينة الغربية والشمالي، والمزارع القريبة من المدينة، بحجة التفتيش عن السلاح والذخائر، واعتقال من اتهموا بأنهم عناصر سابقين في “تنظيم الدولة”.
مصادر من المنطقة، أكدت لـ”فرات بوست”، أن الحملات المستمرة من قبل المقاتلين الأكراد في “قسد”، شملت العديد من المدنيين والناشطين المعارضين لنظام الأسد، وعناصر سابقين في الجيش السوري الحر، لتتسع الحملة ضدهم خلال اليومين الماضيين، ما عزز الشكوك والشائعات بين السكان حول وجود اتفاق بين “قسد” والنظام، لعودة الأخير إلى المحافظة، وتسلمه زمام الأمور فيها.
المصادر ذاتها أفادت بأن معلومات تؤكد، أن القضاء على “ثوار الرقة” سيكون البداية وليس النهاية، وأن جميع المكونات العربية وحتى السريانية والأشورية داخل “قسد” سيكون مصيرها مشابهاً لمصير “ثوار الرقة”، لتبقى الساحة خالية لـ”الوحدات الكردية” التي تحضر لـ”شيء خطير في الرقة”.
وتبين المصادر، أن معلومات رشحت، تفيد بوجود اجتماعات بين القيادة الكردية لـ”قسد” من جهة، ومسؤولين في حكومة نظام الأسد جرت في الطبقة ومناطق أخرى خاضعة لإدارة الجهتين داخل المحافظة، الهدف منها الوصول إلى اتفاق لإعادة النظام إلى الطبقة والرقة، عبر إيجاد “مربع أمني” في كلا المدينتين لتوضع فيه مؤسسات تابعة لحكومة النظام، وبشكل يشابه الوضع في الحسكة.
وتشير المصادر، إلى أن القيادة الكردية مصرة على عدم عودة المؤسسات الأمنية للنظام، واقتصارها على المؤسسات المدنية، ويحصل ذلك دون أي تدخل أو مشاركة من مجلس الرقة المدني التابع لـ”قسد”، والمجرد من أغلب الصلاحيات الواجب توفرها لإدارة المدينة، أو تقرير مصيرها.
مراسلنا في الرقة، أكد وجود حديث كثير بين السكان حول عودة قريبة للنظام يتم التهيئة لها حالياً، ما دفع العديد من شباب المدينة وريفها إلى اتخاذ قرار الهجرة عنها، خشية دخول النظام في أي لحظة، وتعرضهم لخطر الاعتقال بتهمة معارضة الأسد، أو لإجبارهم على الالتحاق في صفوف قواته، تحت مسمى الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.
مراسلنا نوه في هذا الإطار، إلى أن احتمال اقتصار عودة النظام على المؤسسات المدنية فقط، لا يقل خطورة عن عودة المؤسسات الأمنية، بسبب اعتماد النظام على زرع عناصر أمنية داخل المؤسسات الحكومية، وبأعداد ليست بالقليلة، ما يجعل خيار الهروب من الرقة هو الأنسب للكثير من شبابها حالياً.
يشار إلى أن مدينة الرقة شهدت نهاية مايو/ أيار الماضي الماضي، اشتباكات بين “الوحدات” الكردية و”لواء ثوار الرقة”، إثر اعتقال عبدالله الحلو الملقب “أبو حيدر،” أحد قادة الأخير الميدانيين، إضافة إلى مقتل عنصر أمام أحد حواجز “الوحدات” شمال شرق المدينة، وسارع التحالف الدولي إلى التدخل لفض النزاع بين الفصيلين اللذين يقاتلان تحت راية “قسد”.
يذكر بأن “لواء ثوار الرقة”، وهو تشكيل عسكري من المقاتلين العرب منضوٍ في “قسد”، يعد من أقدم حلفاء “الوحدات الكردية”، وكان له دور في طرد النظام من الرقة في مارس/ آذار 2013، قبل سيطرة “تنظيم الدولة” على المدينة، ليخرج بعدها إلى بلدة صرين ثم عين العرب، وليساهم في تشكيل “غرفة عمليات بركان الفرات”.
مع سيطرة عمليات “بركان الفرات” عام 2015 على مدينة تل أبيض، ظهر الخلاف بين “ثوار الرقة”، والمقاتلين الأكراد، عقب إعلان “الإدارة الذاتية” الكردية ضم المدينة إلى مقاطعة كوباني.
ويرى مراقبون للوضع الميداني، بأن الخلافات بين المقاتلين العرب والأكراد داخل “قسد” التي تأسست نهاية عام 2015، يمكن أن تتصاعد لأسباب عدة، ومن بينها وجود فجوة كبيرة في أهداف الفصائل العربية داخله، مع الفصيل الكردي المهيمن الأكبر على هذا التشكيل العسكري، ورغبة الأخير في توسيع سطوته على بقية الفصائل المنضوية في “قسد”، والقضاء على أي منافس له، وبالتالي يكون قرار مصير المحافظة بيده.
وتخضع كامل محافظة الرقة حالياً لسيطرة “قسد” المدعومة من التحالف الدولي المناهض لـ”تنظيم الدولة”، فيما عدا مناطق محدود لقوات نظام
267