*فرات بوست: تقارير ومتابعات 

في شقتها الصغيرة بإدلب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، تشعر أم محمد بالاكتئاب والحزن. ولكن عندما يرن هاتفها أو يطرق شخص ما الباب، تصبح في حالة تأهب فجأة. ربما، أخيراً، عاد زوجها.

في عام 2013، اقتحمت قوة عسكرية من نظام الأسد منزل الزوجين في دمشق بينما كانا يتناولان الإفطار، على حد قولها. وكانت هي وزوجها قد شاركا في السابق في احتجاجات ضد النظام.

“ضربوه أمام ابنتي الصغيرة” ثم أخذوه بعيداً، قالت أم محمد. لم ترغب في الكشف عن اسمها الكامل خوفاً من أن تؤذي السلطات زوجها إذا كان لا يزال على قيد الحياة.

الخبر الوحيد الذي تلقته عنه منذ ذلك اليوم جاء في عام 2015، عندما ادعى شخص ما أنه رآه في سجن الفرع 248 التابع للمخابرات العسكرية السورية – والذي وصفه معتقلون سابقون وجماعات حقوق الإنسان بأنه مركز تعذيب.

“عندما يستشهد شخص ما، يتم دفنه وأنت تعرف أنه مات”، قالت، وهي تجلس على وسائد أرضية. “في هذه الحالة ، أنت لا تعرف وستتساءل دائماً.”

وزوجها من بين أكثر من 130 ألف شخص يعتقد أنهم فقدوا في سوريا منذ ثورة 2011 ضد بشار الأسد التي سرعان ما حولها نظام الأسد وحلفاؤه إلى حرب دموية. وقد يكون لدى أسرهم، المحاصرين في حالة من عدم اليقين المؤلم لسنوات، الآن سبب للأمل.

صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس على تشكيل مؤسسة أو هيئة دولية مستقلة للبحث عن المفقودين في سوريا في كل من المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد والمعارضة.

وتبنت المنظمة الدولية التي تضم 193 عضواً القرار بأغلبية 83 صوتاً مقابل 11 صوتاً معارضاً، وامتناع 62 عضواً عن التصويت. ومن بين الدول التي صوتت لصالح القرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. عارضت سوريا وحلفاؤها الرئيسيون روسيا وإيران والصين هذه الخطوة. وامتنعت الدول العربية التي أعادت إحياء العلاقات مع دمشق في الأشهر الأخيرة عن التصويت، باستثناء قطر والكويت المشككتين في الأسد، اللتين أيدتا هذه الخطوة.

• ويعتقد أن بعض المفقودين يقبعون في السجون الحكومية. واختطفت جماعات مسلحة غير تابعة للدولة، آخرين. ودفن آخرون في مقابر جماعية عثر عليها على جانبي خط المواجهة.

وستجمع المؤسسة المنشأة حديثاً معلومات من العائلات ومنظمات المجتمع المدني السورية والمبلغين عن المخالفات ووكالات الأمم المتحدة ومن خلال الاستفسارات مع حكومة الأسد والسلطات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ويمنح القرار ثلاثة أشهر لمسؤولي الأمم المتحدة لوضع هيكل المؤسسة والبدء في تعيين موظفين.

كانت هناك مطالب طويلة الأمد للتحقيق في مصير المفقودين ومن العائلات ومن نشطاء حقوق الإنسان.

وقال “هاني مجلي“ عضو لجنة شكلتها الأمم المتحدة في 2011 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إنه يأمل أن يشجع فريق واحد يركز على المفقودين المزيد من المبلغين عن المخالفات على التقدم وجمع بيانات متفرقة من جماعات حقوقية.

في السنوات الأخيرة، خرج المبلغون عن المخالفات والمنشقون ببعض المعلومات، بما في ذلك ما يسمى “بصور قيصر“، وهي مجموعة من 53000 صورة تم التقاطها في السجون السورية والمستشفيات العسكرية. وأظهرت الصور جثث المعتقلين وعليها آثار التعذيب.

كشف شريط فيديو تم تصويره في ضاحية التضامن بدمشق في عام 2013 عن مصير عشرات السوريين الذين فقدوا. وأظهر الفيديو عناصر الأمن السوريين وهم يقودون رجالاً معصوبي الأعين إلى حفرة، ويطلقون النار عليهم ويشعلون النار في الجثث.

مواد ذات صلة:

نظام الأسد “اعتقل أمجد يوسف” منفذ مجزرة التضامن

سمحت صور قيصر لبعض العائلات بالتعرف على أحبائها المفقودين. كما مكن التسريب المحاكم الأوروبية من محاكمة وإدانة ضباط الجيش السوري السابقين الذين كانوا يطلبون اللجوء في الدول الأوروبية لتورطهم في الاختفاء القسري والتعذيب.

وسيكون إنشاء هيئة دولية خطوة مهمة في منطقة تعاني من آثار الحرب، حيث تنتظر عشرات الآلاف من الأسر في الدول المجاورة معلومات عن أحبائها.

صور من مجزرة حي التضامن التي ارتكبها جنود وضباط من نظام الأسد على رأسهم الضابط أمجد يوسف/ الصورة وكالات.

في لبنان، يموت أفراد عائلات حوالي 17,000 شخص اختطفتهم الميليشيات الطائفية خلال الحرب التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 بسبب الشيخوخة، ولا يعرفون أبداً مصير أحبائهم. في اليمن، على الرغم من تبادل الأسرى الأخير بين المملكة العربية السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، تقول جماعات حقوق الإنسان إن المئات ما زالوا في عداد المفقودين.

وفي العراق، لا يزال أكثر من 43 ألف شخص في عداد المفقودين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأطاح بصدام حسين، والذي تلته حرب أهلية شرسة وصعود “تنظيم الدولة” المتطرف. وأجرت الأمم المتحدة تحقيقاً في عام 2017 في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الجماعة المسلحة، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري، التي أدت إلى اكتشاف أكثر من اثنتي عشرة مقبرة جماعية.

إن إنشاء هيئة تحقيق بشأن المفقودين السوريين “قد يشكل سابقة لمعالجة معاناة مختلف الناس في أجزاء مختلفة من العالم”، كما قالت وفاء مصطفى، التي اختفى والدها علي في يوليو/تموز 2013 في دمشق. وكانت مصطفى قد انضمت إلى والدها، وهو معارض صريح للأسد، في الاحتجاجات.

مصطفى، التي رحب بالتصويت، هي واحدة من عدة نشطاء المجتمع المدني السوري الذين أمضوا سنوات في حملة من أجل اتخاذ إجراءات دولية بشأن المفقودين.

كما أن التحقيق في مصيرهم يجب أن يمهد الطريق لمعالجة قضايا حقوق الإنسان الأخرى في سوريا، بما في ذلك الظروف القاسية للسجناء السياسيين. وقالت مصطفى: “يجب أن يحدث الكثير، ويجب القيام بالكثير بالتوازي مع هذه المؤسسة”.

في مدينة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، يعتقد حامد حمو أن التحقيق يمكن أن يكشف مصير ابنه المفقود.

• حول حمو غرفة معيشته إلى مزار لابنه فرهاد، وهو صحفي فقد بعد أن اختطفه مسلحو تنظيم الدولة وزميله مسعود عقيل في عام 2014. نقل عقيل، الذي أطلق سراحه في تبادل للأسرى، إلى ألمانيا. فرهاد لم يعد إلى المنزل أبداً.

“حتى يومنا هذا تغيرت حياتنا تماماً”، قال حمو، وهو يدخّن سيجارته. “كانت والدته تزن ذات مرة 70 كيلوغراما (154 رطلاً) ، وانخفضت إلى 40 (88 رطلاً).”

امتد ما يسمى ب “تنظيم الدولة” ذات مرة عبر مناطق واسعة من سوريا والعراق، لكن المتطرفين فقدوا آخر سيطرة لهم على الأرض في عام 2019.

ويحتجز الآلاف من مقاتلي التنظيم الأسرى في سجون تديرها القوات التي يقودها الأكراد والتي يعتقد حمو أنها يمكن أن تقدم معلومات عن المفقودين.

• أما أم محمد فهي أقل تفاؤلاً في الحصول على معلومات عن زوجها من السلطات السورية.

ونفى الأسد احتجاز سجناء سياسيين ووصف المعارضة بأنها إرهابية. كما قد يكون التعاون المباشر مع سوريا من قبل المحققين صعباً لأنها لا تسلم مواطنيها.

• “ماذا سيقول؟” نتساءل. كل هؤلاء الأشخاص الذين اعتقلتهم قتلوا في سجوني؟”.