تصدرت مدينة البوكمال خلال الأيام الماضية اهتمام مختلف القوى العسكرية المتصارعة في سوريا، حتى تناوبت عدة قوى السيطرة عليها خلال أيام معدودة فقط، ودافع عنها عناصر داعش بشراسة، بعكس ما فعلوه في مدن أخرى من المحافظة، ما يشير إلى أهميتها الجيوسياسية، والتي سعى الجميع إلى اكتسابها بالقوة العسكرية، ومن بينها ميليشيا “قسد” التي أعلنت في مرات سابقة أن “البوكمال” من أهدافها الرئيسية، لكن دون أن تتبع تصريحاتها بتحركات ميدانية حتى الآن.
ولأن البوكمال آخر المعاقل الرئيسية للتنظيم في سوريا، دافع عناصر داعش عنها بشراسة، وتمكنوا من استعادتها عندما خسروها أول مرة منذ نحو 10 أيام، قبل أن تعلن إيران وميليشياتها وقوات النظام السيطرة عليها من جديد خلال اليومين الماضيين.
ولا تقتصر أهمية البوكمال لأنها آخر معاقل داعش فحسب، بل لأنها تعد البوابة الإستراتيجية بين إيران والعراق وسوريا عبر بادية دير الزور – حمص، وصولاً إلى لبنان والبحر المتوسط، وضمن ذلك الوصول إلى ميليشيا “حزب الله”، والتي خرج أمينها العام “حسن نصرالله” ليعلن بنفسه أمس الاثنين النصر في معركة البوكمال، مؤكداً أن هذه المعركة قادها قائد قائد “فيلق القدس” في إيران قاسم سليماني بنفسه للدلالة على أهميتها.
وفي إعلان النصر في البوكمال، تجاهل نصرالله بشكل مقصود (وربما لأنها حقيقة ميدانية) ذكر قوات نظام الأسد أو الشكر لها، واعتبر في حديثه أن الفضل في “تحرير” المدينة يعود إلى “حزب الله والمقاومة الإيرانية”. حسب وصفه.
معركة البوكمال تكمن أهميتها أيضاً، في أنها جاءت كرد من إيران على فشلها في فتح البوابة الإستراتيجية من العراق إلى سوريا ولبنان، عبر معبر التنف الحدودي على الحدود المشتركة مع الأردن قبل أشهر، بعد أن أحبط التحالف بقيادة أمريكا الخطة الإيرانية في هذه الجانب، قبل أن يسمح بها في منطقة أخرى، فكانت معركة البوكمال.
تتمتع مدينة البوكمال الحدودية بأهمية استراتيجية كبيرة، فهي تقع عند مصب لنهر الفرات على الحدود مع العراق ويمكن من خلالها الوصول إلى الحدود السورية العراقية التي تبعد عنها نحو 8 كم فقط.
وتتميز البوكمال بموقع مهم في باديتي الشامية والجزيرة، وهي آخر نقطة لنهر الفرات في سوريا قبل أن يدخل الأراضي العراقية.
تقع المدينة في منطقة سهلية على الضفة الغربية لنهر الفرات، وترتفع عن سطح البحر بمقدار 165 متر، ومناخها شبه صحراوي، ومساحتها تقدر بنحو 2000 هكتار، ويبلغ عدد سكانها نحو 50 ألف نسمة، لكن هذا العدد ارتفع بشكل كبير بعد توافد النازحين إليها، ونزح أغلب السكان من جديد خلال الأسابيع الماضية بسبب القصف والمعارك.
نالت البوكمال أهمية كبيرة لدى تنظيم داعش بسبب موقعها الاستراتيجي، وزادت أهميتها بعد سيطرة التنظيم على مدينة القائم العراقية المواجهة لمدينة البوكمال، فسارع إلى احتلال وطرد المقاتلين المعارضين منها في عام 2014، لتهاجمه بعد اكثر من ثلاث سنوات الميليشيات الشيعية المتحالفة المدعومة من إيران، وكذلك “حزب الله”، وأدت معارك السيطرة عليها إلى خسائر كبيرة في صفوف الطرفين، إلى أنها كانت برأي جميع من دافع عنها أو سعى إلى احتلالها، تستحق هذه الثمن.
184
المقال السابق