4.7K
تستمر “فرات بوست” في فتح ملفات جرائم الحرب والفساد داخل سورية، ولكافة الشخصيات السياسية والعسكرية المدانة في هذا المجال، أياً كانت انتماءاتهم والقوى التي يخضعون لها، أو تخضع لهم.
اليوم وبعد جهد بذله مراسلو “فرات بوست” في دير الزور، يُفتح ملف القائد العسكري في مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، أحمد الخبيل المعروف بلقب “أبو خولة”.
الخبيل ليست لديه خلفية عسكرية أو شهادة علمية، عُرف في مرحلة ما قبل الثورة بالانجرار وراء سرقة الدراجات النارية، وبعض السرقات الصغيرة للمنازل في قريته الربيضة بريف دير الزور الشمالي، ومع ذلك، هو اليوم قائد فصيل عسكري كبير داخل “قسد”، كما نصب نفسه “أمير” عشائر البكير في سورية، مع التنويه إلى أن أحد أشقائه من الموالين المعروفين للنظام، وعملا سوية في السرقة وابتزاز المدنيين في المنطقة.
كيف كانت البداية؟
بعد انطلاق الثورة السورية بأشهر، عمد الخبيل وأخوته إلى تشكيل مجموعة مسلحة صغيرة، مهمتها قطع طرق رئيسة في الريف الشمالي للمحافظة – طريق الخرافي خاصة – وسرقة السيارات وتشليح العابرين بقوة السلاح، وفرض فدية على الراغبين باستعادة سياراتهم المسروقة.
بداية عام 2013، خطف “ابو خولة” مع اثنين من أقاربه، إحدى الفتيات في المنطقة، ليعثر عليها بعد أيام وهي جثة هامدة، وقد تعرضت للاغتصاب قبيل موتها، ومرت هذه الحادثة دون محاسبة.
عقب سيطرة “تنظيم الدولة” على أجزاء واسعة من دير الزور، بايع “أبو خولة” التنظيم مع عدد كبير من أقاربه، وعملوا داخله في مجالات عدة، بينها العسكرية، لكن مع انحساره وتراجعه امام التحالف و”قسد”، انتسب الرجل إلى قوات الأخيرة، مستغلاً رغبة “قسد” في انتماء أي شخصيات عربية من دير الزور إلى صفوفها لإكسابها شرعية، ولمواجهة حالة الرفض التي واجهتها من قبل جميع فصائل دير الزور.
تصاعد الانتهاكات
بدأ الخبيل العمل مع “قسد” كقائد عسكري في “مجلس دير الزور العسكري”، ومع مرور الوقت، أخذ هذا الفصيل بالازدياد في عدد أفراده، إلى أن أصبح يضم نحو 20 ألف مقاتل.
في بداية تعامله مع “قسد”، لم يملك الخبيل سلطة حقيقية على الأرض، لتعمد القيادة الكردية إلى منحه ميزات كثيرة، ومنها النفط، ليعمد ليضم بدوره جميع أقاربه الذين كانوا مع “تنظيم الدولة” إلى المجلس العسكري، إلى أن تزايد عدد أفراد فصيله.
بعد السيطرة على أجزاء واسعة من دير الزور، استغل “أبو خولة” مكانته لدى “قسد” من أجل إعفاء أقاربه المنتسبين إلى التنظيم من المحاسبة عبر ورقة “عدم تعرض” تمنح مجاناً لهم، أما لغير أقاربه، فتُمنح هذه الورقة مقابل 2000 دولار أمريكي.
الخبيل أصدر بعد انتسابه لــ”قسد”، تطمينات لجميع عناصر “تنظيم الدولة” من أبناء منطقته وعشيرته (خط الخابور )، ومنح الأمان لكل راغب منهم بالعودة، وذلك بعكس ما عليه الحال من التشدد في مناطق ريف دير الزور الأخرى، والتي حاول فيها تصفية العديد من الخلافات العشائرية القديمة، عبر حجة محاربة “تنظيم الدولة”، والقضاء على خلاياها.
الخبيل عرف عنه معاداته العشائرية لأبناء الشعيطات ومكونات عشائرية أخرى، ومن بينها البوجامل.
وتشير معلومات حصلت عليها “فرات بوست”، في وقت سابق، إلى تعمده القيام بمداهمات داخل المناطق التي يكن لها العداء في ريف دير الزور، مع تهديد سكانها بالقوات الأمريكية، زاعماً أنه يحظى بالدعم الكبير منها، وأنها رهن إشارته لاعتقال ومحاسبة كل من يقف بطريقه.
وتشير معلومات حصلت عليها “فرات بوست”، في وقت سابق، إلى تعمده القيام بمداهمات داخل المناطق التي يكن لها العداء في ريف دير الزور، مع تهديد سكانها بالقوات الأمريكية، زاعماً أنه يحظى بالدعم الكبير منها، وأنها رهن إشارته لاعتقال ومحاسبة كل من يقف بطريقه.
وهذا يذكرنا بما عُرف به الخبيل منذ بداية الثورة، من نشر الفتن والنعرات العشائرية، وكان له دوراً خلال سيطرة “تنظيم الدولة”، عندما ساعدهم وحرضهم ضد أبناء المنطقة الشرقية، بل وساعدهم في تنفيذ سياستهم العشائرية.
بعد تزايد نفوذه، والأموال غير المشروعة التي يجنيها، انتقل “أبو خولة” إلى مرحلة شراء الأراضي، وركز اهتمامه بداية على بلدة الصور، التي يمتلك حالياً أجزاء كبيرة من أراضيها، ويقدر سكان من البلدة حجمها بنحو 40 في المئة من أراضي المنطقة، يضاف ذلك إلى استمرار عمله في التهريب واستغلال المعابر المائية.
من المؤسف القول، أن ما وثقته “فرات بوست”، يشير إلى أن وجهاء من عشيرة “أبو خولة”، عشيرة البكير، ساهموا فيما يفعله من تجاوزات وانتهاكات، بعد أن بايعوه وأيدوه مقابل رشاوى مالية للبعض منهم.
نفط.. وقاطرجي
ما يتوجب عدم إغفاله عند الحديث في ملف “أبو خولة”، هو التابعين له، أو القوى الضاربة التي من خلالها يمارس تجاوزاته وانتهاكاته، ومن بينهم “فراس اللياس”، الذي يعمد إلى ممارسة دور “مبيض الأموال”، عبر شراء المزارع والأراضي، ناهيك عن تيسير أعمال “أبو خولة” الأخرى، عبر السمسرة والوساطة بينه وبين تجار محليين، أو تجار كبار تابعين لنظام الأسد وميليشيات إيران.
يساعد “اللياس” في هذا المجال جاسم الشامي، ذراع أبو خولة وصلة الوصل بينه وبين شركة القاطرجي، خاصة في مجل بيع وتهريب النفط.
صورة المدعو جاسم الشامي
صورة المدعو فراس الياس
وتؤكد المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست”، أن النفط من الأبواب الأساسية للكسب غير المشروع من قبل الخبيل وأشقائه، ومثال ذلك حقل العزبة النفطي بريف دير الزور الشمالي، الذي يضم بئر نفط يطلق عليه اسم “بئر الطه”، ويطلق عليه اسم “بئر التجمّع”، ويضخ نحو 1800 برميل يومياً، خصص 8 أيام من إنتاجه الشهري، وبما تعادل قيمته 64 ألف دولار لـ”أبو خولة”.
وفي المجال النفطي كذلك، كلف الخبيل مندوبين له على جميع الآبارـ لايحق لغيرهم ان يسثتمروا في الآبار ذات الجودة العالية.
ويعد الخبيل، أحد الممولين الأساسيين للنظام بالنفط، والذي يتم عبر شركة القاطرجي خاصة، ويجري ذلك تحت أعين التحالف الدولي وعلى رأسهم أمريكيا، ولا نعلم إن كانت عقوبات قانون قيصر ستطبق على هذا النوع من الانتهاكات، التي نص القانون صراحة على منعها ومعاقبة من ينفذها.
تمدد أذرع الفساد
يمتلك “أبو خولة” حصة كبيرة من “محطة وقود الجيجان” بريف دير الزور الشمالي، ومجمع الكيلاني، ومزرعة كبيرة قريبة من “جليب الحكومة” في ريف دير الزور الشمالي الشرقي بالقرب من بلدة الصور، تضم إسطبلاً من الخيول العربية المسروقة، وتعد هذه المنطقة محمية ويمنع فيها الرعي لمكافحة التصحّر، إضافة إلى منازل وعقارات وأملاك في بلدة الصور، وبلدات الرويشد والشنانة والشدادي بريف الحسكة.
محطة وقود الكيلاني احدى أملاك أبو خولة
وامتداداً لأذرع الفساد، عمد الخبيل إلى ضم الكثير من أقاربه إلى جانبه، ومنهحهم إدارة قطاعات عسكرية ومجالس مدنية وهيئات إدارية، ناهيك عن استحواذه على حصة الأسد من دعم المنظمات الدولية العاملة في المنطقة.
وشملت أذرع الفساد لـ”الخبيل”، أغلبية المناصب المدنية وحتى العسكرية في بعض الأحيان، والتي لا يمكن تعيين أي شخص منها، دون أن يكون من المقربين له، أو من عشيرته، وإن حصل وتم تعيين من هم خارج هذا الإطار، فيتوجب عليه دفع المال مقابل حصوله على المنصب، أو الوظيفة.
كل ما سبق يحصل، في الوقت الذي تم توثيق امتلاكه لعشرات الأفران ومعامل الثلج والطواحين والمحال التجارية وشركات النقل ومزارع للخيول، لكنها مسجلة بأسماء وهمية، ناهيك عن إشرافه المباشر وقيادته للمجالس المحلية وهيئات استخباراتية مثل “الأشايس” والبلديات؛ فضلاً عن بلدة “خشمان” التي تخضع له ولعائلته وأقاربه بشكل شبه كامل تقريباً.
يمتلك الخبيل كذلك محال تجارية بالصورزوالشدادي وقام بشراء اراضي ومنازل اغلبها في الحمر جنوبي الحسكة، كما يمتلك حصة من المعابر مع قوات الاسد، بالاتفاق مع هافال فرزات وهافال كل.
القتل حاضراً..
مزرعة الخيول العربية الاصيلة لابو خولة
مجموعة من المحلات التجارية المعروفة باسم مجمع الكيلاني التابعة لابو خولة
التجاوزات والانتهاكات، وصلت إلى حد قتل مدنيين من أبناء الرقة، وتحديداُ بلدة الكرامة وبلدات أخرى من ريف الرقة الشرقي، بعد أن تعرضوا للنهب والتشليح، كما وثقت جرائم اغتصاب من قبل مجموعتين تابعتين لـ”الخبيل”.
ولعل ما ساعد على وجود عمليات قتل لمدنيين، قيام الخبيل بتذخير وتجهيز أقاربه بالسلاح، ما جعلهم مصدر تهديد حقيقي، خاصة مع غياب المحاسبة.
أين التحالف الدولي..؟!
أمام كل ما يجري في ريف دير الزور الخاضع لسيطرة “قسد”، يطرح سكان من المنطقة أسئلة عدة أهمها، أين التحالف الدولي؟ ولماذا يترك الأمور بيد فاسدين ومجرمين وقطاع طرق أمثال “أبو خولة”.
العديد من السكان يتساءل إن كانت الغاية من ذلك، هو وجود أجندات للتحالف وحاجته لعملاء وسماسرة ينفذون سياستهم على الأرض..؟! أو لإحداث شرخ بين المكونات السكانية، وبما يخدم أي قوى محتلة للمنطقة..؟ّ
ورغم أن تجاوزات وجرائم الخبيل التي تعرض بسبب بعضها إلى مساءلات من قبل قيادة التحالف الدولي، إلا أن أياً منها لم تسفر عن محاسبته، ومن ذلك التحقيق معه إزاء قضية قتله أحد القادة السابقين للجيش السوري الحر في المنطقة، ويدعى حميد العبوب، الملقب بـ”أبو نجم”، بعد خطفه مع شخص آخر.