خاص | فرات بوست
توطئة:
مع بداية العام 2014 شهدت الساحة السورية تحولاتٍ متسارعةٍ على مستوى خارطة السيطرة والنفوذ، خصوصاً بعد دخول “تنظيم الدولة” والتنظيمات المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة، ليبدأ عهدٌ جديد لتشكيلاتٍ عسكرية انتقلت من الحالة “الثورية” المتمثلة في الضباط والجنود المنشقين عن جيش نظام الأسد تحت اسم الجيش السوري الحر، إلى حقبةٍ ظهرت فيها فصائل “معارضة” تتبع لتوجهاتٍ وتياراتٍ سياسيةٍ مختلفة.
وبما أن هذه الفصائل كانت قراراتها خاضعة لمصادر من الخارج، فقد بقي معظمها في حالة ركودٍ طويل استمرت لسنوات، وتسببت هذه الحالة بإشغال مجموعاتٍ من هذه الفصائل بأمورٍ أخرى كالتجارة بأنواعها ومن بينها تجارة الممنوعات، والسرقة والسطو المسلح، وانتهاكات ضد المدنيين في المناطق الراكدة، ولا يخلو الأمر من جرائم بالجملة حينما بدأت الأعمال العسكرية في مناطق جديدة، لتندرج هذه الفصائل سنوياً ضمن إحصاءات المرتكبين.
هذه الحالة من الفوضى العارمة ظهرت عندما غابت المبادئ النبيلة التي حملها من انشقوا بهدف حماية المدنيين ورفضاً لإيذائهم، وما زاد الطين بلة استقطاب أعدادٍ كبيرةٍ من المقاتلين الجدد بشكلٍ عشوائي دون التأكد من خلفيتهم الثورية، الأمر الذي أدّى إلى فتح الباب على مصراعيه لاختراقاتٍ بالجملة وجرائم شوهت الصورة الجميلة التي رسمها العالم للثورة السورية، وكل هذا التحول حدث عندما صار الانتساب بدافع العمل وليس بدافع وطني.
نتناول في هذا التحقيق الاستقصائي حالة “الفصائلية” التي وصلت إليها معظم قوى المعارضة السورية والمتمثلة في مجموعةٍ من تشكيلات عسكرية تحدثنا عن بعضها سابقاً ونتابع في هذه السلسلة عن فرقة الحمزة التابعة لما يعرف اليوم بـ “الجيش الوطني السوري” المنتشر بدءاً من ريف الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا نحو الحدود الإدارية لمحافظة إدلب غرباً، ويفصل مناطق نفوذه عن بعضها جيوب لـ “قسد في ريفي الرقة وحلب.
حيث أصبحت فرقة الحمزة علامةً فارقة في سجلات الانتهاكات ضد المدنيين في مناطق الشمال “المحرر” ولا يكاد يمضي أسبوع دون توثيق جريمةٍ أو انتهاكٍ لمجموعاتٍ تابعةٍ للفرقة في المناطق الخاضعة لسطوتها، حتى صار السوريون في هذه المناطق يشبهون ممارساتها بممارسات نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، فمن تجارة البشر والمخدرات إلى استهداف تجمعاتٍ مدنية أو فصائل أخرى، إلى العمالة مع التنظيمات الإرهابية.
التأسيس
بدأت نواة فرقة الحمزة بمجموعة مقاتلة تابعة للواء التوحيد في أرجاء متفرقة من محافظة حلب، وكانت هذه المجموعة تشارك في العمليات العسكرية خلال الفترة ما قبل دخول “تنظيم الدولة” إلى ريف المحافظة، لتتوسع لاحقاً وتصبح لواءً منظماً يقوده ياسر أبو الشيخ، ومع اجتياح التنظيم لمناطق توزع فصائل المعارضة بدأت حالة التفكك والانشقاقات من اللواء إلى صفوف التنظيم، ليعود اللواء بعد هزيمة التنظيم كأحد أهم فصائل المنطقة.
في 23 نيسان 2016 اندمجت 5 تشكيلات عسكرية تتبع للمعارضة السورية المسلحة واتخذت من بلدة مارع في ريف حلب الشمالي مقراً لها، وهي لواء الحمزة، لواء ذي قار، لواء رعد الشمال، لواء مارع الصمود، لواء المهام الخاصة، وأعلنت هذه الفصائل عن تشكيل فرقة الحمزة وذلك بهدف توحيد الجهود ومحاربة “تنظيم الدولة” الذي كان في بداية تقهقره حينها، ونظام الأسد وحلفائه ووحدات حماية الشعب الكردية التي أسست فيما بعد “قسد”.
وشهد هذا العام تغيرات كثيرة على المستوى القيادي والتنظيمي للفرقة، أبرزها مقتل قائد لواء الحمزة ياسر أبو الشيخ خلال العمليات العسكرية ضد فلول “تنظيم الدولة” في أرياف حلب، والذي أثيرت حول مقتله شكوك وتسببت بحالة من الإرباك ضمن التشكيل العسكري، وبعد اجتماعات تقرر تسليم قيادة اللواء والفرقة لـ سيف بولاد المعروف باسم “سيف أبو بكر” وهو ملازم أول منشق عن نظام الأسد وأحد عناصرها الأساسيين.
وفي حزيران 2016 انضم لواء سمرقند إلى صفوف الفرقة وتزامن ذلك مع تلقي الفرقة شحنة من صواريخ تاو كدعم من التحالف الدولي للحرب على “تنظيم الدولة” وفي شهر آب من نفس العام كانت فرقة الحمزة أولى الفصائل التي تدخل جرابلس من ناحية منطقة كركميش بدعمٍ من القوات التركية، وذلك ضمن العملية العسكرية التي أطلق عليها حينها “درع الفرات” والتي نتج عنها جلاء “تنظيم الدولة” عن مناطق واسعة من ريف حلب.
مع ركود الجبهات في ذلك العام نقلت فرقة الحمزة مقرها الرئيسي من مارع إلى بلدة بزاعة في ريف حلب. وفي آذار 2017، أوقفت واشنطن الدعم المقدم لفرقة الحمزة، وفرقة المعتصم واللواء 51، بعد ورود كثير من التقارير عن تحالف هذه التشكيلات العسكرية مع جبهة النصرة التي أصبحت فيما بعد هيئة “تحرير الشام” وبعد الأفرع المحلية لتنظيم القاعدة في مناطق الشمال السوري، لتنتقل فرقة الحمزة إلى مرحلة جديدة.
حيث أعلنت الفرقة في نهاية العام 2017، عن انخراطها في “الجيش الوطني السوري” الذي شكلته “الحكومة المؤقتة” التابعة للائتلاف الوطني المعارض، لتندرج تحت تقسيم “الفيلق الثاني” في الجيش، وأعلنت قيادة الفرقة حينها الولاء الكامل للقوات التركية التي واصلت دعمها بعد أن انتهى دعم التحالف لما عرف حينها بـ “غرفة عمليات حوار كلس” وفي أيلول 2017 أعلنت الفرقة عن افتتاح أول كلية عسكرية في ريف مدينة الباب.
فاعلية فرقة الحمزة في القتال والتي تعتبر من أكثر “فصائل المنطقة” اهتماماً بالدعم اللوجستي لعناصرها وأهم الفصائل من حيث الموارد المالية، جعل منها محط أنظار لقيادة الجيش التركي وأكسبها الثقة، لذا فقد تم الاعتماد عليها كقوة أساسية في العمليات اللاحقة كـ “غصن الزيتون” عفرين وريفها و”نبع السلام”؛ المنطقة ما بين مدينتي رأس العين وتل أبيض السوريتين، لا بل وتم الاعتماد على الفرقة في معارك خارجية في ليبيا وأذربيجان.
الهيكلية ورجال الظل
تعتبر فرقة الحمزة من أكثر الفصائل تعقيداً من حيث هيكليتها وترتيب قادتها، وذلك بسبب العدد الكبير وتوزعهم على منطقة جغرافيةٍ واسعة، لكن بمجرد ذكر اسم “الحمزات” كما هو متعارف عليه محلياً يعرف الجميع أن هذا الاسم مرتبط بـ سيف بولاد (سيف أبو بكر) الأكثر ظهراً عبر وسائل الإعلام، والذي يحرص على تقديم صورةٍ براقةٍ للفرقة من خلال خطاباته في جميع المناسبات، لكنها في الواقع لديها سجل حافل بالانتهاكات والجرائم.
ويقف وراء سيف أبو بكر عددٌ من “رجال الظل” الذين قلما يظهرون عبر وسائل الإعلام بعكسه، ويدير هؤلاء ملفاتٍ عديدةٍ باختصاصاتٍ متنوعة، كتجارة البشر والمعابر، وتجارة المخدرات والممنوعات، والتصفيات وإدارة الأموال والأراضي والمزارع المصادرة خلال العمليات العسكرية، وإدارة السجون التي تزدحم بمئات المغيبين قسراً، والعمالة مع نظام الأسد و ”قسد” والصفقات مع الفرقة، والتي سوف نأتي على ذكرها بشكلٍ مفصل.
من هو سيف بولاد (سيف أبو بكر)
سيف بولاد لقبه (سيف أبو بكر) ينحدر من بلدة بزاعة في ريف مدينة الباب شرقي حلب، قبل عام ٢٠١١ كان ضابطاً برتبة ملازم أول في صفوف نظام الأسد، أعلن انشقاقه عن النظام وانضم إلى كتائب أبو بكر الصديق وعمل عنصراً في لواء التوحيد، وشارك مع اللواء في عدة معارك، منها معركة مدينة حلب الأولى، ومعارك قطع طريق الإمداد عن نظام الأسد والميليشيات الإيرانية على الطرق المؤدية إلى المدينة أثناء الحملة العسكرية.
في أواسط العام 2013 ومع بداية انتشار “تنظيم الدولة” وبدء أعماله العسكرية ضد فصائل المعارضة، انضم سيف للتنظيم هو وأفراد عائلته وقاتل أيضاً ضد وحدات حماية الشعب الكردية، وعندما أصبح التنظيم قوياً في المنطقة انضم عددٌ من عناصر مجموعة سيف أيضاً وآخرون من لواء التوحيد، وظهر حينها في إصدارٍ مرئي للتنظيم بعنوان “رسائل من أرض الملاحم” مع أحد القياديين لقبول “توبة” عناصر من والوحدات الكردية.
وفي عام ٢٠١٤ وبسبب صغر سنه واندفاعه وخبرته العسكرية في المعارك عينه “تنظيم الدولة” مسؤولاً عسكرياً على مدينة الباب ومحيطها، ومنحه نفوذاً غير محدود وكان مقرباً من عددٍ من الشخصيات في “تنظيم الدولة” من قادة الصف الأول، وشارك سيف مع التنظيم في عددٍ من المعارك علاوةً على نشاطه الأمني في فترة ذروة سيطرة التنظيم، وبقي في صفوف “تنظيم الدولة” حتى أواخر عام 2014 ثم اختفى بعد هزيمته.
ثم عاد إلى مناطق نفوذ المعارضة في العام 2015 كقيادي في حركة حزم، وعاد ليؤسس شبكة من العلاقات مع صناع القرار وقادة التشكيلات العسكرية وسط تغاضٍ عن تاريخه السابق في صفوف التنظيمات الإرهابية، وشاركت مجموعته في تلك الفترة بمعارك محافظة حلب مجدداً، تحديداً ضمن معارك المدينة الصناعية التي فتح فيها العديد من المقرات، وفي العام 2016 تسلم قيادة لواء الحمزة بعد مقتل القائد الأسبق ياسر أبو الشيخ.
فيما بعد وعند إعلان الاندماج بين عدة فصائل وتشكيل فرقة الحمزة عين سيف “أبو بكر” شقيقه حامد بولاد الملقب “اليابا” لفرض إتاوات وإدارة عمليات تهريب وعمليات مشبوهة، وعُرِف حامد بعدم الاتزان وتعاطي المخدرات وتجارتها، والتسلط والاعتداءات المتكررة على سكان المناطق التي يدخلونها، ومن أشهر الاعتداءات، هجومه على مشفى الحكمة في مدينة الباب وضرب الكادر الطبي ليقبض عليه لاحقاً “شكلياً” بعد احتجاجات شعبية.
في 3 أيلول من العام 2019 قتل “اليابا” برصاص عنصر من الشرطة المدنية بعد كيله السباب والشتائم للمارة في بلدة بزاعة في ريف حلب الشمالي، ما استثار عنصر الشرطة وقام بإطلاق النار على حامد بولاد “اليابا” مباشرةً ليرديه قتيلاً، حادثة مقتله هذه أتت بعد تعرض حامد للطرد من فصيل أخيه سيف بولاد بسبب عدم قدرة الأخير على احتواء تصرفاته والتي تسببت بالكثير من الحرج له مع ازدياد تصرفات حامد العدوانية وتسلطه.
الوجه الآخر لـ “سيف أبو بكر”
الاتهامات الموجهة لقائد فرقة الحمزة لم تقتصر على الفساد الداخلي واعتداءات فردية على سكان المناطق التي دخلتها الفرقة فحسب، بل تجاوزت ذلك لجرائم حرب وتسببت بهجرة عشرات آلاف المدنيين من مناطق متفرقة، فقد أشارت شهادات إلى ضلوع الفصيل بعمليات تصفية ميدانية للمكون الكردي من الشعب السوري أثناء عملية “غضن الزيتون” وعمليات تعذيب في السجون وطالت الانتهاكات حتى أشجار الزيتون والغابات المحيطة.
فعلى مستوى السجون يدير الفصيل سجنين سريين (ما تم الكشف عنه حتى اللحظة) أمر سيف أبو بكر بإنشائهما وأشرف على عمليات تغييب لعددٍ من المدنيين وعددٍ آخر من خصومه فيهما؛ الأول الزراعة قرب مشفى الحكمة في مدينة الباب، والذي وصلتنا شهادة لأحد الناجين منه تحدث خلالها عن عمليات تعذيبٍ بغرس أدواتٍ حادة في أماكن حساسة من أجساد السجناء، وطرق تعذيبٍ أخرى كـ (اغتصاب معتقلين ذكور) تحت تهديد السلاح.
وبالرغم من أن حادثة الاغتصاب المذكورة في الشهادة كانت بحق أعضاء في “تنظيم الدولة” أي أنه تنظيم إرهابي، إلا أن هذه الممارسات يجرمها القانون لا سيما الآثار النفسية التي تتركها على باقي السجناء، علاوةً على أن هذه الوسائل للتعذيب لم تقتصر على السجناء العسكريين، فقد طالت عدداً كبيراً من المدنيين الذين أرادت قيادة الفرقة ابتزازهم وصار عناصره يستخدمون السكان بهذا السجن في حال عدم الخضوع للإتاوات والابتزاز.
أما سجن المحمودية في مدينة عفرين فكان من يمكن ألا يعرف أحدٌ به لولا اعتداء فرقة الحمزة على صاحب محل بقالة في 28 أيار 2020 ما دفع عدد من مهجري الغوطة لاقتحام إحدى نقاط الفرقة في حي المحمودية ليجدوا عشرات النساء من المكون الكردي (دون ملابس) في سجنٍ سري داخل النقطة، ويتبين لاحقاً أنه أحد أخطر السجون للفرقة وأنهن تعرضن للاغتصاب والتعذيب لأشهر، ولم توضح قيادة فرقة الحمزة الأمر.
هذا وقد نشرت وسائل محلية شهاداتٍ لعدد من الناجيات من سجن المحمودية، تحدثن خلالها عن تلفيق اتهاماتٍ لهن بالانتماء لـ “قسد” وعن طريقة اختطافهن التي شارك فيها القيادي في الفرقة رامي بطران “أبو جابر” والذي نقلن بسيارته إلى السجن بأمرٍ من سيف بولاد قائد الفرقة، ومن بين السجينات “ناديا سليمان” التي قالت: إن عمليات التعذيب لم يستثنَ منها حتى الأطفال وإن عناصر الفرقة تناوبوا على اغتصابها وتصويرها عارية.
على النقيض من المعاملة التي تلقتها الفئة المذكورة في التوثيقات السابقة من السجناء، هنالك فئة أخرى وفرت الفرقة لها ظروفاً أفضل ومنعت تعذيبهم وقدمت لهم جميع وسائل الراحة إن كانوا في السجون، ولم يدخل عدد آخر منهم السجن أصلاً، وهم قياديون من “تنظيم الدولة” و ”قسد” بعد إلقاء القبض عليهم عند الحواجز أو بوشاية، وهؤلاء قايضهم قائد الفرقة سيف أبو بكر بشكلٍ مباشر أو تواصل مع قيادتهم مقابل مبالغ ضخمة لإخلاء سبيلهم.
عناصر سابقون في فرقة الحمزة قالوا: إن من بين هذه العمليات قبض مبلغ 200 ألف دولار أمريكي مقابل إطلاق سراح المدعو “أبو سيفو” وهو أحد كوادر حزب العمال الكردستاني وعضو عسكري استخبارات في “قسد”، وقد كان أبو سيفو القائم على التفجيرات التي استهدفت تجمعات مدنية وقواعد عسكرية تركية، وله شبكة من العملاء بينهم قياديون في الفرقة وبعض العناصر الأمنيين في عفرين ممن ييسرون توزيع العبوات الناسفة.
أبو سيفو صاحب متجر بقالة وخضار في منطقة الباسوطة مقابل “النبعة” بريف عفرين، وكان يوصل سلع ومياه شرب للقواعد التركية، وبعلاقته، تعرف على القياديين في منطقة برج عبدالو، وهؤلاء كانوا شركاءه في الهجمات وزرع العبوات، وبعد إلقاء القبض عليه أوكل سيف أبو بكر التفاوض لنائبه عبد الله حلاوة والذي صادر سيارة أبو سيفو من نوع “جيب رنج” ودوانم زراعية وذهب زوجته ومبلغ 200 ألف دولار أمريكي.
أواسط العام 2019، وبعد التفاوض والتواصل مع قيادة “قسد” تم الاتفاق على توصيله إلى الحد الفاصل في محيط منبج، وهذا بالفعل ما نفذه سيف أبو بكر الذي أوصل أبو سيفو وعائلته إلى نقطة تابعة لـ “قسد” وسلمهم القيادي أبو سيفو، ومن ثمّ بدأت عملية تقاسم المبلغ والممتلكات المصادرة بين سيف أبو بكر وعبد الله حلاوة ورامي بطران وعلاء جنيد وقياديين آخرين من الصف الثاني ومنهم أحمد الكردي أبو حسين هنداوي وسامر الشمالي.
كما سُجلت شهادات أخرى تحتفظ بها شبكة فرات بوست لعمليات مقايضة وإطلاق سراح وتهريب مماثلة لعناصر وقيادات من “تنظيم الدولة” وآخرين من نظام الأسد أثبتت الدلائل والتوثيقات ضلوع قيادة فرقة الحمزة فيها، يذكر أن المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا تشهد هجماتٍ وتفجيراتٍ إرهابية تستهدف تجمعات المدنيين بفعل انتشار خلايا للتنظيمات الإرهابية وسط هذه المناطق مروعةً ومستهدفةً سكانها.
تجارة ممنوعات وفرض إتاوات ومهام مخابراتية
يعتمد سيف بولاد (سيف أبو بكر) على عددٍ من المعاونين لإدارة ملفاتٍ عديدة، منها تجارة المخدرات والمخابرات ومعاون عسكري وآخر أمني، ومسؤول اقتصادي وعدد أخر يتبع لهؤلاء من قادة الصف الثاني.. ويوكل أبو بكر لهم جميعاً مهاماً متنوعة ويغدقهم بأموال عائدات الممنوعات والصفقات المشبوهة من أجل ضمان ولائهم، ومن يخرج عن طاعته عادةً ما يكون مصيره الاغتيال كما حدث مع عددٍ من عناصره السابقين.
في المراحل الأولى لتسلمه القيادة والدعم اعتمد بشكلٍ لفترةٍ قصيرة على إخوته قصي وحامد، وسلمهما الملفات العسكرية والأمنية وإدارة أموال الإتاوات والحواجز، لكن، وبعد ارتكابهما عدداً من الجرائم والانتهاكات لم يعد بمقدوره تصديرهما للعلن كقياديين أساسيين، لذا فقد استبدلهما بعددٍ آخر من القياديين منهم ضباط ورفاقه من المقاتلين السابقين، وركَّز على ظهور هؤلاء الجديد بصورة منظمةٍ أمام وسائل الإعلام والداعمين لفرقة الحمزة.
نستعرض في هذا التقرير عدداً من “رجال الظل” -وهم معاونو سيف بولاد- وتراتبية المهام والملفات الموكلة إليهم والانتهاكات التي وجهت اتهامات لهم في الضلوع بها، مع مجموعةٍ من الدلائل والتوثيقات التي حصل عليها فريق التحقيق الاستقصائي مرفقة بالتحقيق.
- وننوه بأن شبكة فرات بوست تخلي مسؤوليتها عن أي مخالفاتٍ قانونية “قد” تكون بدرت عن الشهود، وتكتفي الشبكة بحقها المشروع في (الاستقصاء – التوثيق – ونقل الخبر).
سلم سيف أبو بكر في العام 2016 قيادة بعض المجموعات المنبثقة عن الفرقة لشقيقه قصي، وبقي قصي في إحداها حتى اليوم وهو لواء الحمزة (نواة الفرقة الرئيسية).. أما شقيقه الأكبر حامد فقد سلمه المجموعات الأمنية في مناطق نفوذ الفرقة شمالي حلب، واستمرت التراتبية بهذا الشكل حتى بداية عمليات عسكرية في مناطق جديدة بعفرين ورأس العين، وقبل هذا التاريخ كان أخواه يتمتعان بسلطة غير محدودة بملفات مشبوهة عدة.
حامد بولاد كان بمثابة القبضة الحديدية التي يواجه بها أعداءه الداخليين، حيث هاجم مراراً قيادات وأفراد من مجموعات مسلحة أخرى، وصدره سيف لإدارة التهريب في فترةٍ محددة، إلا أنه حاول التغريد خارج سرب أخيه، فبدأ بتجارة مخدرات وممنوعات بشكلٍ مستقل دون التبعية أو تقاسم الواردات مع أخيه قائد الفصيل، إضافةً لهجماتٍ واعتداءات على السكان، ما تسبب باستبعاده لكن مع هذا عندما قتل نعاه أبو بكر عبر حسابه في تويتر.
تصفيات وعمليات اتجار بالبشر وسطو مسلّح
قصي الأخ الأصغر لسيف “أبو بكر”، استمر في قيادة “لواء الحمزة” وإدارة المعابر غير الرسمية مع مناطق نفوذ “قسد” ونظام الأسد؛ وأثارت عمليات المخدرات والتهريب مع قيادات وتجار في المناطق المقابِلة حالة من الاستياء لدى أغلب السكان المحليين، الذين رفضوا هذه العمليات كما رفضوا انتهاكاتٍ ارتكبها قصي في عدة مناطق، وبعد أن ذاع صيته السيئ في شمالي حلب لم يجد رادعاً يمنعه من ارتكاب جرائم قتلٍ بحق المعترضين.
حيث اُتهم قصي بولاد بقتل عضو مجلس قبيلة شمر في ريف حلب المعروف “أبو باسل” في 26 تشرين الأول من العام الفائت، وذلك على خلفية تسجيل صوتي لـ “أبو باسل” اعترض خلاله على سطو وفرض إتاوات من خلال حاجز للفرقة في منطقة مفرق العمية شرقي بلدة بزاعة في ريف حلب، كما اعترض على عمليات تهريبٍ أشرف عليها قصي مع مناطق نفوذ نظام الأسد، ليقتل بعد أقل من أسبوع على إثر هذا التسجيل ويتهمه أقارب أبو باسل باغتياله.
بعد الحادثة، اختفى قصي بولاد من المنطقة بمساعدة من أخيه سيف بولاد (أبو بكر) وما زال حتى اليوم لا يظهر في أماكن عامة إلا بمرافقة وتشديد أمني من عدد من العناصر الذين عينهم أبو بكر لحماية أخيه، وأثارت عملية الاغتيال غضباً عارماً في المنطقة، وانتشرت تسجيلات صوتية لأقارب “أبو باسل” الشمري، اتهموا فيها قصي بولاد بالضلوع في عملية الاغتيال وطالبوا بمعاقبته بعد تحذيرات من قادة فصائل الشمال من أي رد عشائري.
قصي بولاد متهم أيضاً بعمليات تهريب ممنوعات والاتجار بالمخدرات مع عددٍ من معاوني سيف أبو بكر، وهو يعتبر تنظيمياً “المنسق اللوجستي” لهذه العمليات، وهو كذلك اليد المنفذة للتصفيات بحق معارضي شقيقه سيف كبديل لشقيقهم حامد بعد مقتله في العام 2019، كما وجهت اتهامات له بعمليات اتجار بالبشر والعمالة مع “قسد” ونظام الأسد عبر عملياتٍ ممنهجة أغلبها يتم في معبري أبو زندين والسكرية جنوبي مناطق سيطرة المعارضة.
في حين أصبحت مناطق سيطرة فرقة الحمزة مسرحاً لعمليات السرقة والسطو المسلح، وفرض الإتاوات على السكان ومرتعاً لتجار المخدرات المصرح لهم بدخول مناطق المعارضة وإتمام صفقاتهم بحماية قصي بولاد وشقيه قائد الفرقة، أثارت هذه الظواهر أو السلوكيات الإجرامية غضباً شعبياً دفع السكان للتظاهر والاحتجاج مراراً موجهين دعواتٍ بمحاسبة قيادة الفرقة وجميع القياديين المتورطين في القضايا المشبوهة، لكن قسماً أكبر من السكان قرر الانكفاء أو الهجرة.
الثالوث الإجرامي في فرقة الحمزة
عبد الله حلاوة: نائب قائد فرقة الحمزة الأول، وقائد القوات الخاصة في الفرقة، وهو عسكري منشق وقد رافق سيف أبو بكر لفتراتٍ طويلة حتى صار يده اليمنى لمتابعة ملفاتٍ عدة، ومنها معامل صناعة المخدرات التي تم الكشف عن بعضها خلال الآونة الأخيرة، ويعتبر عبد الله حلاوة المشرف الرئيس عليها، كما يدير الأخير عمليات التهريب في عفرين ويشرف على طريق قريتي كيمار وبراد ويجني من هذا الطريق يومياً من 20-40 ألف دولار يومياً.
في مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي داهمت قوة من الجيش التركي معملاً للمخدرات في قرية برج عبدالو في ريف عفرين شمالي حلب، وعثرت على كميات ضخمة من المخدرات بأنواعها والمواد الداخلة في صناعتها، وألقت القبض على معاون عبدالله حلاوة، المدعو عبدو عثمان وعدد من عناصر حراسة المعمل، ليتبين خلال التحقيقات أنه يتلقى أوامره وتمويله من نائب قائد فرقة الحمزة عبد الله حلاوة، دون الإفصاح عن التحقيق معه.
كما يتهم عبد الله حلاوة بعمليات تصفية جماعية للمكون الكردي في عفرين أثناء الأعمال العسكرية، وإعطاء أوامر بتعذيب عدد من المعتقلين من أبناء المنطقة، ويرى سكان عفرين من المكون الكردي أن هدف عبد الله حلاوة من نشر المخدرات هو ممارسة الابتزاز الواسع بهدف إجبار السكان على ترك المنطقة خوفاً على أبنائهم الذين لم يعد بمقدور السكان السيطرة عليهم ولا منع باعة المخدرات من دخول مناطقهم مخافةً من انتقام الفصيل.
رامي بطران: الملقب “أبو جابر”؛ ملازم منشق عن نظام الأسد، وهو القائد العسكري لفرقة الحمزة أثناء العمليات القتالية، وقائد لواء عمر الفاروق، وهو الأكثر ضلوعاً في الانتهاكات أثناء اقتحام المدن، وقد ذكر اسمه في ملف سجن المحمودية في مدينة عفرين، كما يتهم بالتسبب بهجرة نحو 100 عائلة مسيحية من مدينة رأس العين بسبب انتهاكات وعمليات سطو ارتكبها عناصره تجاه العوائل المسيحية في المدينة وبأمر مباشرٍ منه.
ويدير رامي بطران طرقاً للتهريب في محيط رأس العين في ريف الحسكة مع مناطق نفوذ “قسد”، كما اتهم بتسهيل دخول السيارات المفخخة إلى مناطق شرق الفرات المسيطر عليها من قبل المعارضة، والتي أودت بحياة مئات المدنيين بين العامين 2019 – 2021، إضافة إلى إشرافه على توطين عناصر من الفرقة في منازل مدنيين مهجرين. ونجا البطران من محاولة اغتيال في 11 تشرين الأول 2020 بسبب خلافات مع قادة في الفصيل.
علاء جنيد: (القيادي المنتشي) من المعروف عنه أنه الرجل الثالث من حيث تراتبية المهام الموكلة لقيادة الصف الأول من قبل سيف أبو بكر، وهو يرأس باقي المجموعات العسكرية الأقل من القوات الخاصة ولواء الفاروق، وهي مجموعات صغيرة متوزعة في مناطق النفوذ، وهو مستفيدٌ أيضاً من العمليات المشبوهة بأنواعها كما يدير معامل للمخدرات في سوريا، ويقوم باقتطاع من رواتب عناصره المقاتلين في ليبيا نحو 500 دولار من كل عنصر.
علاء جنيد ضالع في انتهاكاتٍ وجرائم حرب أثناء الأعمال العسكرية، وهو صاحب السجل الأخطر كونه يقود العدد الأكبر من المجموعات القتالية والتي ارتكبت بدورها انتهاكاتٍ ممنهجة منها بعلمه ومنها دون علمه نظراً لنقطة هامة، وهي أن الحالة التنظيمية التي يراد تبيانها عبر الإعلام ما هي إلا حالة غير حقيقية، وتسود الفوضى هذه مجموعاته لدرجة أنه لا يمكن السيطرة عليها، لذا يعتبر مسؤولاً عن هذه الانتهاكات بشكلٍ أو بآخر.
علاوةً على جرائم أشرف بنفسه على ارتكابها من تصفياتٍ عرقية إلى تدميرٍ للبنى التحتية وحالات القصف العشوائي أثناء المعارك والتي راح ضحيتها مئات المدنيين، وذلك نظراً لعدم خبرته العسكرية رغم تسليمه منصباً عسكرياً، كان يسرق جنيد الذخيرة من محور “عين زارا” في ليبيا بشكلٍ مستمر بحسب شهاداتٍ من عناصره، وذلك من أجل إما بيعها للحصول على جرعاتٍ من مادة “الكريستال ميث-الشبو” التي يدمنها منذ سنوات.
كان جنيد يتعاطى مادة الكريستال ميث بدرجة جعلت من عناصره يستغربون كيف أنه ما زال على قيد الحياة، وأصبح نسخة مطابقة لتجار المخدرات التابعين للميليشيات الإيرانية، وتصرفاته غير المسؤولة بسبب انتشائه الدائم وغيابه عن الوعي تسببت بجرائم لم تقتصر فقط على المدنيين، بل طالت حتى عناصره، حيث كان يتفنن بإذلالهم وتصويرهم، وهو ضالع أيضاً في جرائم بمدن سورية ومنها عفرين، وجرائم أخرى في ليبيا وثقها نشطاء.
تسببت ممارسات القادة الثلاثة الذين عينهم سيف أبو بكر بموجات هجرة جماعية من المناطق التي دخلتها فرقة الحمزة في ثلاث محافظات وهي حلب والرقة والحسكة، ويعاني المدنيون في هذه المناطق من بطش وتسلط هؤلاء القياديين وانتهاكاتهم المتكررة، فيما يقبع الآلاف من أبناء ذات المناطق في أقبية وسجون الفرقة السرية ومن يخرج منهم “إن كتبت له الحياة” يسعى لمغادرة المنطقة على الفور هذا إن لم يفكر في الجهرة من سوريا كلها.
ولهؤلاء الثلاثة قادة معاونون ينوبون عنهم في متابعة الملفات السوداء، وهؤلاء التابعون أصبحوا هم بدورهم “رجالات مافيا” من الدرجة الأولى كما يصفهم السكان، حيث صار لكلٍ منهم مجموعاتٍ كبيرةٍ تتبع لهم وتحميهم وتبطش بالمدنيين، ولهذه الشخصيات التابعة لقادة الفرقة الثلاثة-المذكورة أسماؤهم آنفاً” نشاطات مرعية في التهريب والاتجار بالبشر وتجارة المشروبات الكحولية والمواد المخدرة، علاوةً على دورهم في ابتزاز المعتقلين في سجون الفرقة.
محمود البوشي “أبو عبدو”: (جلَّاد سيف أبو بكر) قيادي وأمني في فرقة الحمزة، يرأس أحد الألوية، وينوب عن سيف أبو بكر عسكرياً أيضاً في منطقة رأس العين في ريف الحسكة، ورغم أنه من قادة الصف الثاني (تنظيمياً) لكن الملفات السوداء تحتم عمله المشترك إما مع قادة الصف الأول أو مع قائد الفرقة بشكلٍ مباشر سيف أبو بكر. ويشارك البوشي في عمليات تعذيب السجناء “بنفسه” كما ذٌكِر في إحدى شهادات هذا التحقيق.
عمليات التعذيب التي يرتكبها محمود البوشي في سجون الفرقة بحق المعتقلين لها هدفان، الأول هو معاقبة بعض قياديين وعناصر قاموا بأعمال سوداء خاصة بهم دون علم قائد الفصيل سيف أبو بكر، وبالتالي خرجوا عن سيطرة قائدهم، أو أنهم لم يقتسموا معه الحصص، والهدف الثاني من عمليات التعذيب بحق السجناء، هو لإجبارهم على دفع مبالغ طائلة مقابل إطلاق سراحهم، وقد قضى عدد من هؤلاء الذين تعرضوا للتعذيب بطرقٍ متنوعة على يد البوشي خلال سنوات مضت.
كما يهيمن على مجموعة من المعابر غير الشرعية في شرق الفرات، وسابقاً كان يهيمن أيضاً على معابر في ريف حلب الشمالي، وقد أعطي هذه “الامتيازات” من قائد فرقة الحمزة سيف أبو بكر بسبب تقربه منه وولائه التام، ويهرب البوشي عدداً من المنتمين لـ “تنظيم الدولة” وآخرين يتبعون لـ “قسد” من معبر تل حلف في محيط مدينة رأس العين باتجاه الأراضي التركية، حصلت فرات بوست على توثيقات وقوائم أسماء لهؤلاء العناصر.
هذا وقد ابتكر البوشي طريقةً لمنع المهربين “من فصائل أخرى” أو حتى من فصيل الحمزة نفسه من استخدام مسارات التهريب التي يهيمن عليها، وهي زرع ألغام أرضية في هذه الطرق أدت في كثيرٍ من الأوقات لمقتل مجموعاتٍ لمهربين من فصائل المعارضة أو من فرقة الحمزة كما حدث في عفرين، ونشب حينها نزاع مع قياديين في فرقة الحمزة، وما زالت هذه الألغام منتشرة في مناطق نفوذ الفرقة ما تسببت خسائر في حياة عشرات المدنيين.
وفي نفس المعابر التي يهيمن عليها محمود البوشي دخلت كميات ضخمة من مواد البناء والحديد وآثار المنازل والسيارات المسروقة وكميات من التبغ والممنوعات إلى تركيا (بشكلٍ سري) منذ العام 2019، كما يحتكر البوشي “سوق التعفيش” في مناطق شرق الفرات، ويفرض الإتاوات على تجار المنطقة الذين لهم نشاطات بين سوريا وتركيا أو يصادر بضاعتهم إن رفضوا دفع الإتاوات، ويضع يده على مساحاتٍ من الأراضي الزراعية.
بعد أن استولى عليها من السكان المحليين بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، سخر عناصره لجني محصول هذه الأراضي في كل عام، حتى ذاع صيته في مناطق شرق الفرات كأحد أخطر الشخصيات، وامتدت نشاطاته للإتجار بالبشر، لا سيما تهريب عناصر التنظيمات الإرهابية، إذ يتقاضى البوشي مبلغاً وقدره 2500 دولار أمريكي من كل شخصٍ مدني يهربه باتجاه تركيا، وبالطبع فإن جميع ما سبق بعلمِ وتوجيه من سيف أبو بكر.
محمد أسامة الكادري: له ميول “مثلية” وهو ضالع بقضايا ممارسة الجنس مع السجناء، كما وضح التحقيق في الأجزاء الأولى حول سجن الزراعة شمالي حلب. فهو رجل أمن فرقة الحمزة الأول، الذي يعتبره سيف أبو بكر معاونه الأول في الملفات الأمنية وملفات تجارة المخدرات، وإن كان معاونو “أبو بكر” الثلاثة يتاجرون في المخدرات فذلك بإشرافٍ وتيسير من الكادري، ولا يتوقف نشاطه على المستوى المحلي فقط، بل امتد ليصبح دولي.
للكادري شركاء من تجار مافيا المخدرات في لبنان أمثال نوح زعيتر وشخصيات أخرى تابعة للميليشيات الإيرانية، وذلك كون المناطق الخاضعة لسطوة الميليشيات الإيرانية في لبنان منتجة لنبتة الخشخاش “الحشيش” والتي يستوردها محمد الكادري بكمياتٍ ضخمة، وبالطبع فإن هذه الشحنات تمر أيضاً بمناطق نفوذ نظام الأسد الذي تربط الكادري علاقاتٌ قوية بعددٍ من ضباطه الذين يسهلون وصول الشحنات للمحطة الأخيرة ريف حلب.
وهناك في مناطق الشمال المسيطر عليها من قبل المعارضة، يعتبر الكادري تاجر المخدرات الأول على مستوى المنطقة، ويشتري منه التجار الآخرون بضاعتهم المتنوعة بين حبوب الكبتاغون، الحشيش، الكريستال ميث، الهيروين والكوكائين وأصناف أخرى من المخدرات، بالإضافة لهيمنته أيضاً على تجارة المشروبات الكحولية لكن هذه التجارة يتعامل فيها مع جهة أخرى وهي “قسد” والتي تستورد كميات ضخمة منها وتسمح بها بمناطقها.
وبما أن فرقة الحمزة صارت عابرةً للحدود وأرسلت مقاتلين إلى كلٍ من ليبيا وأذربيجان خلال السنوات الماضية، فقد أرسل الكادري وبالشراكة مع قائد المجموعات الخارجية علاء جنيد المخدرات إلى تلك الدولتين بكمياتٍ كبيرة من متنوعة مع عناصر وذخائر الفرقة منقولةً جواً بشكلٍ سري. ومن المنطقي التساؤل كيف يضمن ألا تسرق هذه الكميات أو يتعاطاها العناصر، فالإجابة واضحة: “الموت”- مصير من يفكر في سرقتها.
أما بالنسبة لمهامه كمسؤولٍ أمني أول في فرقة الحمزة، فيعتبر محمد الكادري المحقق الأول في جميع السجون التابعة للفصيل، ويستخدم أساليب لا إنسانية أثناء انتزاع الاعترافات التي قد يكون بعضها لا أساس له من الصحة لكن شدة التعذيب ترغمهم على قول ما يريده الكادري، طبعاً عدا عن التعذيب النفسي عبر التهديد باعتقال أطفال وزوجات المعتقلين وهذا حدث في عدة قضايا، حيث تم استدراج زوجات المعتقلين ومن ثمّ اغتصابهن أمام أنظار أزواجهن بطريقة وحشية.
وبناءً على جميع المعطيات والقضايا المذكورة في سجل الكادري الإجرامي فقد أصبح سكان المناطق الشمالية من سوريا يتخوفون من فصيل فرقة الحمزة ويحاولون قدر الإمكان ألا يعترضوا أو يثيروا امتعاض قيادتها وقادتها الأمنيين وإلا فسيكون مصيرهم مشابهاً لمئات القتلى الذين خلفهم الكادري وسيف أبو بكر، وما بقي من رجال الفرقة نستطيع تصنيفهم بأنهم الأقل خطورة من حيث الهيكلية والتراتبية لكنهم متهمون بجرائم وانتهاكات.
أحمد الكردي “أبو بكر”: أحد قادة المجموعات المنبثقة عن الألوية الأساسية في فرقة الحمزة، وهي كتيبة تسمى “شهداء مدينة دير الزور، مهمته الأساسية كانت على الحواجز التي تنصب بعد كل عمل عسكري للفرقةK والهدف من هذه الحواجز هو الاعتقالات التعسفية ومن ثمّ الابتزاز بالنسبة للمدنيين، واعتقال قياديين من التنظيمات الإرهابية لكن بنفس الدوافع، أي من أجل استثمار هؤلاء العناصر أو القياديين مقابل مبالغ ضخمة.
سجلت بحقه انتهاكات وجرائم تعذيب لمعتقلين أو تغييب لمدنيين بتهم واهية! كما انتهج ما يعرف بـ “التعفيش” أي السرقة من منازل المدنيين المتروكة خلال المعارك، والاستيلاء على منازل أخرى والتخريب فيها، وأعمال تخريب أخرى للمنشآت والمرافق العامة في عدة بلدات.. كما أنه أحد عناصر حماية شحنات المخدرات والتبغ وبعض شحنات المشروبات الكحولية فيما يعرف اصطلاحاً بـ “الترفيق” وذلك لصالح سيف أبو بكر قائد الفرقة.
وفي معارك عفرين قام أحمد الكردي بسرقة عدد من مزارع الزيتون وتخريب أخرى وذلك بأمرٍ مباشر من سيف “أبو بكر” قائد الفرقة. كما اتهم بقطع أعداد كبيرة من أشجار الزيتون من أجل بيع حطبها كـ “حطب للتدفئة” في مناطق أخرى؛ ويتعاطى معظم عناصر وقادة الفرقة المخدرات بأنواعها، ومن هؤلاء أحمد الكردي الذي ضمن سيف بولاد ولاءه بجرعات المخدرات التي كان يؤمنها لأحمد الكردي وعددٍ من عناصره.
وفي معركة شرق الفرات أمر سيف أبو بكر أحمد بالانتقال للمنطقة من أجل السباق المحموم بين الفصائل للهيمنة على ثروات المنطقة الجديدة، فقد كان أحمد الكردي من أمهر قادة المجموعات المختصين بالتعفيش والسطو المسلح، ما جعل سيف أبو بكر بعد فترة يعتمد عليه في هذه المهمة ويصدره فقط في الحالات المشابهة بين قادة الصف الثاني ومرافقيه الشخصيين، وهنا بدأت قصة نهاية علاقتهما في العام 2019 بريف الحسكة.
حيث قام أحمد الكردي “أبو بكر” بالاستيلاء على صوامع منطقة العاليات في محيط مدينة رأس العين، والتي تحتوي على مئات الأطنان من المحاصيل الزراعية التي خزنها المزارعون المدنيون فيها قبل بدء العملية العسكرية، لكن هذه المرة قرر أحمد الكردي أن يبيع هذه الكميات لمصلحته الشخصية دون الإفصاح عنها لقائده سيف بولاد.. الكردي باع محاصيل تقدر قيمتها بـ 100 ألف دولار لتجار موالين لنظام الأسد بقيمة 18 ألف دولار.
لكن الحظ لم يحالفه فقد تسربت أخبار الصفقة لقائد الفرقة إلا أنه لم يبين لأحمد معرفته بالأمر، وبعد أيام استدرج سيف بولاد الكردي إلى أحد مكاتبه شرق الفرات، وفاتحه بمعرفته بالأمر وعرض عليه “الموت أو التوقيع على بياض” فوقع الكدري على مستندات تحوي اعترافات وإقرار بمبالغ، من ثم نفي لتركيا بسيارة رامي بطران الذي أوصله للحدود وهو الآن خارج العمل العسكري مدني مقيم في إحدى الولايات التركية.
خاتمة .. لسان حال السوريين
رغم كل هذه الانتهاكات التي يقوم بها قادة وعناصر ما تسمى بـ”فرقة الحمزة“، والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية “كما يقال في مؤتمرات الدول الغربية والعربية التي خذلت الثورة السورية والشعب السوري“، ومعرفة العالم أجمع من الأحرار، أن الشعب السوري وقع تحت مخالب الضباع، ولاكت أشلاءه أنياب الذئاب، تلك المتمثلة في نظام المجرم العالمي بشار الأسد وحليفيه الإيراني والروسي، وأيضاً دولٌ عربية وإسلامية، التي لم تذر مخططاً شيطانياً وإجرامياً (سراً أو علناً فيما بعد) إلا ونفذته بحق السوريين، للحصول على مكاسب تصب في مصالحها الاستراتيجية، بالتزامن مع تقويض الحريات وسلب إرادة السوريين نحو الحرية والديمقراطية، التي يخافون أن تصل إلى عروشهم القابعة على آبار النفط والغاز، يبقى السؤال هو ذاته: لمَ لا توجّهوا ضربةً نووية على الشعب السوري لتنتهوا من المؤامرات عليه وإشغال أنفسكم بالتصريحات والتنديد والشجب؟، وليبقَ الأسد صديقاً لكم، وحاكماً على بضعةِ لصوص باستطاعتهم وإياكم تحقيق “حُلم إسرائيل الكبرى”، التي أمّنت وتحمي عروشكم ومناصبكم الرئاسية حتى الآن؟!
إن المكايدة والمناكفة والصراعات وكسب التحالفات والمصالح لم تكن يوماً ما إلا على حساب دماء الأبرياء حول العالم، وخاصةً في سوريا، وكلنا يعلم أن إفرازات الثورة السورية (السيئة) منها العسكرية، جاءت بتوافق دولي وإقليمي، وذلك بسبب تحويل أهداف الثورة السامية من خلال أجندات قذرة، أشهرها إقصاء الجيش الحر الوطني والمتوافق عليه من كافة أحرار سوريا، واستبداله بفصائل لها نهج “أيديولوجي”، لذا كانت هذه المخططات كفيلة بإعطاء صورة نمطية للشعوب الغربية، ورؤى مختلفة وغير دقيقة عن ثورة شعب أراد التخلص من طاغية مستبد، ومن حالة القمع التي استمرت أكثر من أربعة عقود في سوريا.
ما أردنا قوله إن الحقَ واضحٌ ولا ريب فيه، ولا امتراء حوله؛ فالسوريون قد خرجوا للتخلص من بشار الأسد ونظامه الإجرامي والبوليسي، فاصطدمَ بألف طاغية – من قادة فصائل وسياسيين أنانيين، ومرتزقة، وطائفيين، وقتلة مأجورين، وقادة دول كبرى كأن بهم “رجالات مافيا” أو، عملاء للشيطان، الذي يكرّس كل قوته وجهودهِ لوأد الإنسانية!
لا فرق بين قادة فرقة الحمزة وغيرهم من قادة فصائل مثل “هيئة تحرير الشام” عن تنظيم الدولة الإرهابي (داعش)، ويتساوى قائد فصيل مستبد بسياسي يروّج لنفسه بأنه معارض للأسد، ويتناطح مع نظرائه في المعارضة على المناصب، معرقلاً مسار سنوات من الأمل لدى السوريين في الحصول على أمر إيجابي، حتى لو بسيط، يخصّ حالتهم المعيشية، أكان ذلك في الداخل السوري، أو في مخيمات اللجوء!
كان الأسد ونظامه هما السبب الرئيس في هذه المقتلة التاريخية، أما الآن، نجد هنالك مئات “الأسود”، والطغاة، الذين يتناوبون على إفناء وسحق الشعب السوري على كافة الأصعدة!
نهايةً؛ الشعوب هي التي تنتصر، ويرحل الطغاة غير مأسوفٍ عليهم. وكما يقول الشاعر السوري الكبير بدوي الجبل في قصيدته -من وحي الهزيمة:
سألوني عن الغزاةِ فجاوبتُ
ليالٍ تمضي و نحن الدّهـــورُ