خاص – فرات بوست
تقلصت خلال الأسابيع الأخيرة، مرحلة “الفوضى العسكرية” التي عاشتها محافظة دير الزور على مدار أشهر طويلة، وخلفت آلاف الضحايا المدنيين، وموجة كبيرة من النزوح عدت الأضخم خلال الحرب، بسبب غارات وقصف ومعارك ارتكبت فيها الكثير من المحرمات المصنفة ضمن جرائم الحرب.
ما أن شهدت “الفوضى العسكرية” أنفاسها الأخيرة في دير الزور، حتى دخلت المحافظة مرحلة “الفوضى الأمنية”، التي لا تقل خطورة عنها، وضحيتها هو المدني، الذي تنوعت الجرائم المرتكبة ضده، وتعددت الأيدي الفاعلة، لتصل الأمور إلى مرحلة خطيرة جداً، تعد الأسوأ في سوريا حالياً.
الفوضى الأمنية تنتشر في جميع أنحاء المحافظة التي تقاسمت السيطرة عليها “قسد” من جهة، وقوات النظام والميليشيات المتحالفة معها من جهة أخرى، إضافة إلى مناطق محدودة ما زالت تحت سيطرة داعش في أقصى الريف الشرقي لدير الزور.
“فرات بوست” تمكنت من توثيق العديد من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، ستعمد إلى نشر البيانات الخاصة بها بشكل متتابع.
إذا ما تركنا عمليات “التعفيش” التي حصلت على نطاق واسع، فإن أهم مظاهر الفوضى الأمنية الجارية حالياً، انتشار عمليات السلب والنهب، والتشليح، والقتل، والاختقاء القسري، ناهيك عن استمرار تدمير البنية التحتية التي كانت ضمن أولويات الحملات العسكرية للقوى المتصارعة في المنطقة، واستكملت حالياً عبر وسائل وطرق مختلفة.
وفق المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست”، فإن مناطق “قسد” تشهد حالات “تشليح” ونهب، وانتشار لقطاع الطرق، خاصة في ساعات الليل، التي يتجنب أغلب المدنيين الخروج من منازلهم بعد الساعة الـ6 مساء، ومن ينفذها يتلقى الدعم من مجموعات داخل “قسد”، وهناك ما ينفذ بشكل فردي، بسبب غياب المحاسبة لمرتكبيها، ومنهم من يتلقى الحماية من قادة عسكريين في “قسد”، وإن كان بشكل غير مباشر.
بعض حالات السلب و”التشليح”، أدت إلى حصول قتل متعمد، وسرقة للمنازل طالت جميع محتوياتها، لتصل إلى خلع المغاسل ذاتها.
الابتزاز بدوره انتشر بشكل كبير داخل المناطق الخاضعة لـ”قسد” والنظام على حد سواء، والتهمة التي يجري الابتزاز فيها هي الانتساب إلى داعش، ومنهم من تم اختطافه لأيام قبل أن يرضخ أهله لدفع مبالغ مالية ضخمة، ناهيك عن عمليات الانتقام الجارية بشكل علني بحق أصحاب تلفق لهم تهمة الانتساب لداعش، أو عبر الاختطاف والغياب القسري، ولعل ومن أوضح نتائجها، انتشار ظاهرة الجثث المجهولة التي يعثر عليها بين الحين والآخر في مناطق مختلفة.
من آخر من سجل في هذا المجال، العثور على جثة لأحد أبناء مدينة موحسن في بادية بلدة غرانيج، وذلك بعد 5 أيام من فقدانه.
ومن الحوادث التي تم تسجيلها أيضاً، قيام مجموعة من ميليشيا “الأسايش” التابعة لـ”قسد”، بإخراج أحد النازحين من مدينة دير الزور مع عائلته قسراً من المنزل الذي كان يستأجره في قرية الحصان، ورمي أغراضهم خارج المنزل بحجة أن مالك المنزل أحد عناصر “داعش”، من أجل استخدام المنزل مقراً لهم .
الاغتصاب من نتائج “الفوضى الأمنية” أيضاً، ووثقت “فرات بوست” العديد من الحالات، أغلبها في مناطق خضعت مجدداً لقوات النظام وبلغت 4 حالات، تم قتل إحدى ضحاياها بعد اغتصابها، وهناك حالة خامسة في منطقة بريف دير الزور خضعت حديثاً لـ”قسد”.
ما يميز الفوضى الأمنية الجارية في دير الزور، أنها طالت بشكل خاص المناطق التي انتهت من سيطرة داعش مؤخراً، وكانت مسرحاً لأكبر التجاوزات الأمنية، بحجة ولاء ودعم التنظيم.
ما تبقى من قرى ومناطق في ريف دير الزور الشرقي بقيت خاضعة لداعش، وصلتها الفوضى الأمنية خلال الأيام الأخيرة، وبشكل لم يشهد له مثيل طوال سنوات الحرب، وكان آخرها قيام مجموعات مجهولة الهوية بسرقة منازل المدنيين في بلدة السوسة بريف البوكمال، ولم تنجو حتى الأبواب و الشبابيك من هذا الفعل.
مما يجب التركيز عليه عند الحديث عن “الفوضى الأمنية” التي تعيشها دير الزور، أنها طالت البنية التحتية أيضاً، وتمثل ذلك بشكل خاص في المناطق الخاضعة للنظام والممتدة من الأحياء الغربية لمدينة دير الزور وحتى البوكمال، وتم ذلك على يد عناصر النظام وميليشياته الذي حفروا الأرض من أجل استخراج الكابلات وبيعها، بعد “تعفيش” ما فوق الأرض، إضافة إلى سرقة أجهزة السقاية والري الضخمة المتواجدة على الأنهار سواء كانت ملكيتها خاصة أو عامة، ليتم شحنها عبر آليات ثقيلة إلى محافظتي حمص وحلب.
بالعودة إلى مناطق “قسد”، فإن العديد من الأشخاص الذين عرفوا بأعمال التشليح والسلب، عمدوا إلى الانتساب إلى “قسد” أو مخابراتها (الأسايش)، للتغطية على ما يقوم به من أعمال، وذلك أسوة بما يفعله أقرانه المنتسبين إلى قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها حالياً، أو ما فعله بعض المنتسبين إلى الجهاز الأمني التابع لداعش في وقت سابق.
86