- الضفّة الحادية والستون
أحمد بغدادي
لم يبقَ إنسانٌ في العالم، وخاصةً في سورية، إلا وأدركَ وعرفَ محتوى السيناريو المسرحي لانتخابات النظام السوري، وبالتحديد تلك التي يسميّها انتخابات مجلس الشعب. حيث لا يوجد لدى السوريين سوى هذه المهزلة، التي تُعنى بهرولة المسار السياسي والاقتصادي السوري في مكانه، بل إلى الأسوأ، منذ أربعين سنة، علاوة على امتطاء ظهور المواطنين باسم عضوية مجلس الشعب.
وهذه العضوية، طبعاً، تحدّد مسبقاً لكل شخص فائز، من قبل أجهزة مخابرات النظام.. أكان ذلك عبر وساطة شخص له ثقل ومنصب أمني رفيع، أو عن طريق دفع أموال طائلة أو الرشوة لأحد الشخصيات المقربة من رأس النظام وأزلامه؛ وبذلك، ترمى ديمقراطية الدمى، والتقارير الإعلامية، ومشاهد تزاحم المواطنين على صناديق الاقتراع في القمامة، بأنّ الشعب والمسؤولين ذهبوا ليختاروا مرشحيهم الموقّرين لقيادة دفة الإصلاح والتنمية، ومحاربة الفساد!
إن من غير المعقول والمستحيل، اعتبار هؤلاء المسؤولين (المافيا) أمناء على وطن، أو على شعب يرزح منذ سنين تحت وطأة القتل والتهجير، وكافة أصناف العذاب اليومي، بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي نهشَ السوريين منذ عقود خلت! وكيف يصبحون أمناء وأوصياء على وطن ممزق؟ وهم شركاء في القتل بنسبة كبيرة، وحتى الذين لم يشاركوا بشكل مباشر مع الآلة العسكرية الأسدية وحلفائها بتدمير السوريين، كانوا حريصين على استمرار الطاغية بمسلسل الدماء، وقد أخذوا موقفاً سلبياً ومخزياً تجاه أفاعيل بشار الأسد ونظامه بحق الشعب السوري، بل إنهم صفّقوا لهُ، وابتدعوا طرقاً للمديح والثناء، لم يعرفها ويتقنها شعراء البلاط في العصرين الأموي والعباسي، ولأجل ما هم عليه سابقاً والآن، فلن يكونوا أصحاب ثقة وأمناء على قنّ دجاج، ولا حتى على ضرع شاة سائبة في البراري.. هم قتلة بصمتهم، أو مشاطرتهم آراء الدكتاتور وأذنابه بأن من خرج طالباً للحرية هم إرهابيون ومخربون!
ورغم كل هذه الدمامل المتقيّحة ( أعضاء مجلس الشعب) التي تدّعي نصرة المظلوم وانتقاد الفساد، والسير في ركب الديمقراطية، كما تقيّأ “وليد المعلم” حول هذه الانتخابات منذ أيام، سنرى بأن “عجلة الخراب” سوف تدور بسرعة، ولن تقف إلا بأعجوبة ثامنة، وتلك من تاسع الأعاجيب إن حدثت الأعجوبة الثامنة!
وكما جاء في كتاب “المستطرف للأبشيهي” أن أعرابياً معلّماً وأديباً حزنَ على حبيبته التي لم يعرفها، فسأله الأصمعي بعد أن كان في داره لعزائه، كيف تحبّ ولا تعرفها؟ فقال من بيت شعر بديع سمعته عبر كوةٍ في الجدار لرجل ينادي بغائبةٍ اسمها أم عمرو.. فعرفت أنها من أجمل النساء وقد ماتت! وأخذ ينشد الأعرابي : لقد ذهب الحمار بأم عمرو .. فلا رجعت ولا رجع الحمارُ . ومن هنا قوّم الأصمعي عزيمته على وضع هذا المعلم الأديب في كتاب النوادر الذي يقوم بتأليفه آنذاك، وبدأ به.
إن وجه الشبه والتناص هنا في عقلية هذا الأعرابي رغم أنه أديب ومثقّف وصاحب اطلاع واسع، وبين أزلام النظام السوري ومخابراته وإعلامه، هو تشابه كبير إلى حدٍ ما، لكن في مواطن غير الثقافة والأدب، بل في الغباء والحمق، وهذا ما استدعاني إلى ذكر هذه القصة باختصار؛ فالنظام السوري يمتلك من الخبث والدهاء والمخططات الجهنمية تكاد تتفوق على الأبالسة، وكبار وصغار الشياطين، لكنّه في ذات الوقت، لديه غباء مطلق، وخاصةً عند رجالاته الذين يسيطرون على مفاصل المؤسسات، ومنها الإعلامية والبرلمانية، التي تعكس صورة البلد، أو تتوجّه بخطابات ومراسيم وقرارات تتخذها دولة نظام البعث المستبدة، على أنها قرارات مصيرية، لصالح المواطن والوطن.. وهذا ما يضحكنا حالياً، نحن السوريين، بأن بشار الأسد، الدكتاتور القزم، تقنّع بكمّامة، على وجهه القناع – أيْ قناع فوق قناع، وجاء بصناديق الاقتراع إلى قصره الجمهوري، ليبدأ بمسرحية هزلية مع ما تسمى “السيدة الأولى” أسماء الأسد، باختيار مرشحين لمجلس الشعب؛ وبصما بالموافقة على قاتل جديد، أو مهرج أنوك، بعد أن تواريا وراء حاجز خشبي ادعاءً لنزاهة الاقتراع، وتطبيق قواعد الديمقراطية!
نعم، إن هذا الفصل من المسرحية الديمقراطية الكوميدية حصل بالتزامن مع دكِّ الآلة العسكرية لنظام الأسد لقرى ومدن المدنيين في إدلب، واعتقال حواجز المخابرات المدنيين في دمشق وريفها، وأيضاً، غير ذلك، مقارنة بعدد المقاعد في مجلس الشعب التي هي 250 معقداً، متوزعة بين فلاحين وعمال منقرضين، وما تبقى من فئات الشعب، نجد أن أعداد السجون والمعتقلات السرية في الأفرع الأمنية لنظام الأسد تتجاوز عدد مقاعد مجلس الشعب، أي مقابل كل مقعد في مجلس الشعب يوازيه أكثر من خمسة سجون وسبعة أفرع، ومئتي سجن انفرادي، تقريباً، ومن هنا تأتي النظرية الثابتة والتي لا تتزحزح مُطلقاً ” لكل مواطن سوري ثلاثة رجال أمن وخمسة ظلال سرّية، وعامل نظافة وبائع يانصيب، كلهمُ ليسوا في خدمته، بل في تفكيك شيفرته وجعله طيناً مرناً وطيّعاً أمام جلاوزة نظام الاستبداد والقهر في سورية.
ومرةً أخرى، نعم، كانت المباهجُ جليةً على ملامح سيادة الدكتاتور بشار الأسد، ولا توصف بنشرة أخبار عالمية، ولا حتى ضمن تخطيط طبي لاضطراب عضلة القلب، وهو يقوم بعملية الانتخاب وزوجته البريطانية، حيث لصدى خطواته إيقاعٌ استثنائي وتاريخي وهو يمشي الهوينة مع “ربيبة البذخ” تجاه صندوق الانتخاب التاريخي، وكأنهما ينتخبان نجّاراً ماهراً سيصنع سفينة الإنقاذ التي سوف تحمل على ظهرها الوطن والمواطنيين نحو برّ الأمان والسلام، بعيداً عن طوفان الإمبريالية والاستعمار والمؤامرات القادمة من كوكب زحل!
أخيراً، بالنسبة للسيدة الأولى، وإنجازاتها في سورية، لا نعلم نحن السوريين شيئاً قامت به، سوى أنها تحيض في كل شهر، وتقوم بصبّ مزاجها السيئ على الشعب السوري، ومؤخراً على رامي مخلوف… وهذا إنجازٌ تاريخي لا بدّ أن نشيدَ به، ونسجّله في تاريخ هذه العائلة العجيبة؛ تحيض.. وتخرّب، وتشتري مجوهرات وأحذية بملايين الدولارات، أما سيادة الدكتاتور، لا يحيض إلا أمام الطائرات الإسرائيلية، وقد فعل بنا كل هذا!