أين ذهب تنظيم داعش؟. وماذا عن قادته وعناصره المهاجرين؟. هل من المعقول أن 90 ألف مقاتل الذين كان الغرب يصرح به عند حديثه عن عدد مقاتلي التنظيم، قتلوا جميعاً؟. أم أنهم تبخروا فجأة “بقدرة قادر”؟.
أسئلة تتبادر إلى أذهان المتابعين للشأن السوري وجاره العراقي على مدار سنوات خلت، والذين فوجئ بعضهم بإعلان نهاية التنظيم بـ”جرة قلم”.. دون أن يجهد المعلن لإقناع متابعيه بكيفية ومتى وأين انتهى هذا التنظيم؟.
شبكة “فرات بوست” وبعد جهود من مراسليها في الميدان ومتابعات من مصادرها ورصد على الأرض، تمكنت من الحصول على إجابات على بعض الأسئلة السابقة، وتوثيق العديد منها، ستنشرها تباعاً، لكن ما هو ملخصها؟.
المعلومات التي حصلنا عليها، تؤكد أن مناطق سيطرة “قسد” داخل الأراضي السورية كانت هي السر في اختفاء عناصر التنظيم، وكانت محطة “ترانزيت” تمكن خلالها عناصر التنظيم ومن بينهم قيادات، من الوصول إلى مناطق سورية أخرى، ومنها إلى مختلف دول العالم وخاصة أوروبا، عبر تركيا.
تبدأ قصة “تبخر” عناصر “داعش” من المناطق التي يسيطرون عليها خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد فتحت ميليشيا “قسد” طريق تهريب لعناصر التنظيم وأسرهم إلى مناطقها عبر بادية أبو خشب (70 كلم شمال غرب مدينة دير الزور)، والتي تبعد نحو 17 كم عن نهر الفرات.
ووفق ما علمت به “فرات بوست”، فإن عناصر التنظيم الذين وصلوا إلى مناطق سيطرة “قسد” من المقاتلين المحليين، عمدت هذه الميليشيا إلى تنسيب عدد منهم إلى صفوفها (كانوا مقاتلين سابقين في صفوف الجيش الحر أو جبهة النصرة قبل مبايعتهم للتنظيم)، لتحقيق أهداف عدة، لعل من أبرزها سد النقص العددي الذي تعانيه، إضافة إلى كون هؤلاء من “المكون العربي” الذي يحتاجونه لتغذية “الفتنة العشائرية” في المنطقة.
وكمثال على ذلك، تم تنسيب أحد قادة داعش الميدانيين (من أبناء الشعيطات الذين نتحفظ على ذكر اسمه)، كما قاموا بتنسيب 3 من أبناء “خشام”، وآخرين من عشائر دير الزور المختلفة ومنهم من أبناء الريف الغربي، وجميعهم من المساهمين في سيطرة داعش سابقاً على محافظتهم، ومن المشاركين في الجرائم والمجازر التي ارتكبها التنظيم بحق أبناء جلدتهم.
وتفيد مصادرنا في هذا الإطار، بأن تنسيب وقبول هؤلاء تم عن طريق الاستخبارات الكردية “الأسايش”، ومنهم من تم تجنيده للعمل كأمني لديها دون إشراكه في المعارك العسكرية.
ويجدر هنا، أن تجنيد مقاتلي داعش المحليين لدى “قسد” لم يكن لجميع العناصر الذين وصلوا إلى أراضي الأخيرة، بل توجد حالات أخرى لعناصر رفضوا القتال ضمن صفوفها، مع تفضيلهم البقاء في ريفي دير الزور أو ريف الحسكة الخاضعين لسيطرة “قسد”، دون مغاردتها، وترجح مصادرنا أن هؤلاء تحت أنظار المخابرات الكردية، والتغاضي عنهم بهدف اللجوء إليهم يوماً ما، واستخدامهم ضمن حملات التجنيد الإجباري المنفذة من قبلها.
ترانزيت قسد:
الجانب الأهم من المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست” من مصادر متطابقة، تفيد بأن المناطق الخاضعة لـ”قسد” لم تكن “محطة وصول” لمقاتلي داعش فقط، بل مارست أيضاً دور “محطة الترانزيت” التي عبر من خلالها قيادات وعناصر من التنظيم من الجنسيات غير السورية إلى الشمال السوري، ومنها إلى تركيا ودول العالم الأخرى.
وتمكنت “فرات بوست”، من توثيق حالات تهريب عدد من مقاتلي داعش الأجانب إلى دولهم الأوروبية، عبر اتباع طريقة واحدة، تمثلت في دفع مبلغ مالي كبير لأحد المتعاملين مع القيادة الكردية لـ”قسد”، الذي بدوره يضمن وصول العنصر إلى أشخاص آخرين في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل “درع الفرات” المدعومة من تركيا، ومنها إلى تركيا، ومن ثم يتم سفرهم بجوازات سفر مزورة أعدت لهم مسبقاً إلى الدولة التي ينتمي إليها.
وبحسب المعلومات المتعلقة ببعض الحالات التي نجحت عملية تهريب أصحابها، فإن كلفة عملية التهريب باهضة جداً وتصل إلى عشرات آلاف الدولارات، وقد تبلغ 100 ألف دولار للشخص الواحد، إذا كان من القيادات الميدانية السابقة لدى داعش.
ومما يجدر ذكره، أن حالات التهريب ليست لعناصر وقادة التنظيم العرب والأجانب فقط، وإنما تم توثيق حالات تهريب لأفراد أسرهم، وآخر المعلومات الموثقة، تهريب اثنين من أبناء أحد قادة داعش الميدانيين (الذي فضل البقاء في دير الزور)، إلى السعودية بعد عبورهم من مناطق “درع الفرات”، ومن ثم إلى تركيا، وبعد ذلك إلى السعودية مع قريب لهما كان بانتظارهما في اسطنبول، عبر جوازات سفر مزورة.
مكاتب مختصة..!!
تشير كل المعطيات عند الحديث في هذا المجال، أن النقود والمبالغ المالية الضخمة التي يحملها عناصر وقادة التنظيم من الجنسيات غير السورية، السبب الأهم للمتعاونين مع “قسد” (وأغلبهم من العرب وليس الأكراد) المساهمين في تهريبهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أقرانهم في مناطق “درع الفرات” المتعاونين مع قيادات عسكرية للفصائل المعارضة، خاصة وأن المبالغ المدفوعة كبيرة جداً، وبالمقابل، أعداد من يرغب بالدفع والعودة إلى موطنه الأصلي ليست بالقليلة.
والمفارقة، أن عمليات التهريب أصبحت الآن منظمة بشكل أكبر، لتشابه في طريقتها الحالية، مع ما كان يحصل مع بعض اللاجئين السوريين في رحلة عبورهم إلى أوروبا. كيف ذلك؟.
الراغب بالخروج من مناطق سيطرة داعش إلى بلده العربي أو الأجنبي، وبعد وصوله إلى مناطق “درع الفرات”، يقوم بتأمين ثمن التهريب إلى كفلاء، أو ما يعرف باسم “مكتب الوسيط”، بحيث لا يتم دفع المبلغ للمهرب، قبل إيصال العنصر إلى الأراضي التركية، وتسليمه لأشخاص بدورهم جهزوا له جواز سفر مزور، وعندئذ يقوم “مكتب الوسيط”، بتسليم المبلغ “المؤتمن عليه” للمهرب، حال نجاح تهريب العنصر إلى خارج الأراضي التركية.
ونذكر في هذا المجال، أن بعض حالات التهريب لا تنجح من أول مرة، وقد تحتاج إلى مرات عدة قبل نجاحها.
بالمجمل نستطيع القول، إن عناصر داعش تمكنوا من الوصول إلى أنحاء مختلفة من العالم، عبر النقود التي حصلوا عليها في حكم “دولة الخلافة” المزعومة المندثرة، وبمساندة من زعموا أنهم أصحاب الفضل الأول في القضاء عليها، وسنفصل في تقارير قادمة بعض ما تم توثيقه من خفايا محطة “ترانزيت قسد – داعش”.
خطر “ترانزيت قسد” يطرق أبواب العالم الغربي.. هكذا وصل عناصر من داعش إلى أوروبا
253
المقال السابق