خاص – فرات بوست
كل من يتابع الصور والفيديوهات القادمة من دير الزور مؤخراً، يلاحظ أن سحب الدخان السوداء لم تفارق أحياء المدينة وريفها، رغم انتهاء المعارك منذ أسابيع.
من يقطن المحافظة الآن، يعلم أن هذه السحب، ناتجة عن عمليات الحرق المستمرة لأكبال التوتر العالي وأسلاك الكهرباء وأبراج الاتصالات وغيرها من الأدوات التي تم تعفيشها من أحياء دير الزور، ومن مدن وقرى وبلدات الريف الشرقي بعد خضوعها لقوات النظام والميليشيات المتحالفة معها.
الهدف الأساسي من عمليات الحرق، الحصول على مادة النحاس الموجودة داخل أكبال وأسلاك الكهرباء خاصة، لبيعها بعد ذلك إلى تجار ينقلونها إلى حلب، التي أصبحت المقصد الرئيسي لما تم “تعفيشه” في دير الزور، ابتداء بالأدوات المنزلية، وانتهاء بما تنتج عمليات حرق الأكبال الكهربائية، والأخيرة أصبح يطلق عليها حالياً داخل دير الزور بمهنة “التنحيس”، بعد أن كثر المتعاملين بها داخل المحافظة.
وتشير المعلومات المؤكدة التي حصلت عليها “فرات بوست” من مصادرها، إلى أن قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، وبعد انسحاب داعش من أحياء مدينة دير الزور، عمدت إلى تقسيم مهام “التعفيش” فيما بينها على شكل قطاعات، ليصبح “تعفيش” كل حي من اختصاص إحدى مجموعات قوات النظام، أو الميليشيات، أو إحدى الأفرع الأمنية.
وتم تطبيق هذه التقسيمات على بقية مدن وبلدات وقرى الريف الشرقي، فهناك منطقة استلم مهام “التعفيش” فيها ميليشيا “الباقر”، وأخرى لميليشيا “الدفاع الوطني”، وثالثة لـ”لواء القدس”، وهكذا بالنسبة لبقية المناطق التي دخل العناصر الأفغان طرفاً فيها، واتخذوا من “التنحيس” مهنة مربحة.
ووفق ما تم ذكره سابقاً، فإن سرقة الأكبال، جاءت بهدف الحصول على مادة النحاس المتواجدة فيها، وتقدر قيمتها بعشرات الملايين من الليرات السورية، وحملت آليات ثقيلة المسروقات وبشكل علني أمام المدنيين، وعبرت من الحواجز الأمنية والعسكرية التابعة للنظام والميليشيات دون أي عوائق.
عمليات التعفيش عقب هذا التقسيم، تبدأ أولاً بالأغراض المنزلية، ومن ثم تنطلق المرحلة الأخرى المتمثلة في خلع نوافذ وأبواب المنازل المصنوعة من الحديد، وأخيراً التمديدات الكهربائية، سواء الموجودة منها على الأعمدة الخشبية، أو الإسمنتية، أو ما تواجد منها على أعمدة التوتر العالي إن توافرت في المنطقة.
المعلومات التي زودتنا بها مصادرنا تفيد، بأن حلب المستقر الأخير لما تم تعفيشه في دير الزور، عبر عدد من التجار الكبار المرتبطين بالنظام، وعلى رأسهم ما يعرف بـ “القاطرجي”، والبيع يتم بالجملة، أي أن التاجر يشتري من أحد الأفرع أو الميليشيات، عدد محدد من الشاحنات، تحمل الأدوات التي تم تعفيشها من دير الزور، وبعد تفريغها في حلب، تعود هذه الآليات إلى دير الزور لتمارس المهمة ذاتها لكن في مناطق أخرى.
بعض مناطق دير الزور شهدت حالة فريدة من “التعفيش”، وتمثلت في حفر الأرض واستخراج التمديدات المتواجدة داخلها، بعد أن تم الانتهاء من “تعفيش” ما فوقها.
حي الجورة غرب مدينة دير الزور، حصلت “فرات بوست” على معلومات، تبين أنه يحتوي الآن على أكثر من 200 مستودعا، هدفه تخزين النحاس المستخرج من عمليات “التعفيش”، ومن حرق الكابلات الكهربائية، قبل أن تباع إلى تجار تابعين للنظام، يقومون بشرائه من الميليشيات التي اختصت بهذا الأمر، ومن ثم بيعه إلى وزارة الدفاع التابعة للنظام، لاستخدامه في إعادة صناعة الذخيرة (الرصاص) مرة أخرى.
ومن الأمثلة التي تذكر في المجال، أحمد باطوس المنتسب إلى ميليشيا “الدفاع الوطني”، الذي يعد من المشترين الأساسيين لما يتم “تعفيشه”، وفي سبيل ذلك قام بالسطو على خان كبير في شارع العشرين بحي الجورة، ووضع فيه كميات كبيرة من الأدوات الكهربائية، وأطنان من النحاس المسروق من المحولات الكهربائية، ومحطات المياه وأبراج الاتصالات.
ويعمل باطوس بحرية كاملة، دون أي تصرف من سلطات النظام، ووصلت به الأمور إلى شراء فوارغ القذائف النحاسية الخاصة بالدبابات والمدفعية.
جدير ذكره، أن قوات النظام والميليشيات، وعندما سيطرت على قرى وبلدات ريف دير الزور الغربي منتصف العام الماضي، قامت بـ”تعفيش” ممتلكات المدنيين، وشوهدت سيارات عناصر النظام وهي تحمل أثاث مسروق من برادات وغسالات ومكيفات ودراجات نارية وتلفزيونات واسطوانات غاز ومولدات كهربائية ومحركات المياه المنزلية والزراعية، وحتى أشرطة الكهرباء وسخانات الحمامات طالتها السرقة.
كما شملت السرقات الثروة الحيوانية، التي تم سوق أغنامها وأبقارها إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام داخل دير الزور، لتباع إلى محلات القصابة وبأثمان مختلفة.
يذكر بأن قوات النظام وميليشياتها دأبت على ممارسة “التعفيش”، وسرقة الممتلكات في المناطق التي يسيطرون عليها بسورية، لتشهد الأعوام الماضية عمليات كبيرة، خاصة في أحياء حلب الشرقية، إضافة إلى مناطق أخرى من سوريا، لكن ما حصل من “تعفيش” في دير الزور خلال الأشهر الماضية، عد الأكبر من نوعه خلال سنوات الحرب في سوريا.