فرات بوست – خاص
برز على سطح الواقع السوري مؤخراً، ظاهرة “الانشقاق”، و”الانشقاق المعاكس”، الذي طالما ارتبط الأول منه في بدايات الثورة السورية بطريق له اتجاه واحد فقط، من النظام باتجاه الثورة، ليعود اليوم حاملاً تفرعات واتجاهات وطرق عدة، جعلت من الواجب إعادة قراءة وتحليل وتفكيك هذه الظاهرة بعد بروزها من جديد.
لا يفوتنا هنا التذكير، بأن نسبة كبيرة من الضباط والعسكريين المنشقين عن جيش النظام، سبب انشقاقهم أنهم لم يجدوا لأنفسهم أي قيمة داخل يتحكم فيه العلوي والدرزي، ودون أي ايمان بالثورة ومبادئها، لكن ذلك لم يمنعه من ممارسة “عقدة القيادة والسلطة” داخل الكيان الثوري، ودون أي محاسبة أو رقابة، في محاكاة لما يفعله أقرانهم العلويين والدروز لدى قوات النظام، وذات الأمر ينطبق على المسؤولين والسياسيين المنشقين، لكن بالتأكيد ليس الجميع معني بالكلام.
حملت الفترة الماضية حالات عودة بعض ممن أعلنوا انشقاقهم عن النظام في بدايات انطلاق الثورة السورية، وولوجهم صف المعارضة، وهناك حالات أخرى أعلنت الولاء للنظام من معارضين لم يكونوا في صف النظام سابقاً، قبل أن يناولوا “عار” الانضمام إليه حديثاً، ناهيك عن حالات انشقاق وانشقاق معاكس بدأت تظهر على السطح من مقاتلي وقادة للمعارضة باتجاه ميليشيا “قسد”، خاصة من المنتسبين لفصائل “درع الفرات”، وبالعكس، أو من داعش إلى “قسد”.
الانشقاقات الجديدة والأخرى المستقبلية المتوقعة، تثير مشكلة سياسية وأخلاقية تحتاج البحث في أسبابها وتداعياتها، وهي تشمل حالياً شخصيات عدة، منها عسكرية وسياسية ورياضية وثقافية وفنية.
عند الخوض في الأسباب، لابد من الوقوف طويلاً على نقد ظاهرة “الانشقاق” التي طغت في بداية الثورة، وكان من أهم عيوبها، أن الثوار والمعارضين اعتبروا أي عملية انشقاق هي مصلحة الثورة، ورافعة إضافية لها.
من أخطاء هذه الظاهرة، أن الانشقاق والانتساب للثورة، كانت فرصة للمنشق “لمحو ما قبلها” من تجاوزات وجرائم وسرقات وفساد مارسه في عهده السابق مع النظام.
أما الخطأ الأبرز لثورة تنادي بالحرية والعدالة (العدالة من أساسياتها معاقبة المجرم ومحاسبة المسيء)، فلم يكن العفو عن مجرمين وفاسدين وسارقين، لم يفكر أي أحد منهم الاعتذار عن ماضيه، وإنما في تسليم هؤلاء مفاصل ومراكز قرار داخلها، ليصحبوا “مؤتمنين” عليها وعلى مؤسساتها وفصائلها العسكرية، وعلى وحاضرها ومستقبلها.
هذا الأمر جعل من الثورة السورية ملوثة في العديد من مؤسساتها ومفاصلها وقراراتها وخطاباتها، ومن جانبه، رأى رأس النظام بشار الأسد ظاهرة الانشقاق “تنظيف ذاتي للجيش والدولة”.
الأمثلة على هؤلاء كثيرة، وإن لاح للبعض أسماء معينة، فهم من قبيل المثال الذي يؤكد وجود قاعدة، لكن الحديث الذي يطرح نفسه حالياً: لماذا عادت هذه الظاهرة إلى الظهور، وإن كان بشكل معاكس (من الثورة إلى النظام)، وفي اتجاهات وكيانات أخرى (من قسد إلى الثورة وبالعكس، من داعش إلى النظام أو قسد)؟.
المصلحة وغياب المبدأ قد تكون هي الإجابة الأكثر بروزاً في هذا المجال، لكن لا يغيب عن البعض، أن مبدأ “الجكارة” هو أيضاً من الأسباب التي تطفو على سطح هذه الظاهرة عند الحديث عن أسبابها.
وننوه هنا، أن السبب الذي دفع بعض من انشق عن المعارضة أو النظام باتجاه داعش في فترة سابقة، هو “الجكارة” بعدو عشائري أو عسكري، أو ربما عدو ديني وسياسي، وهناك أحاديث حول انشقاقات آنية أو مستقبلية تحدث ربما من “قسد” باتجاه الروس أو النظام، للسبب ذاته، أو من المعارضة باتجاه “قسد”، وربما العكس.
ما يحصل الآن، أن أصحاب رجل هنا وأخرى هناك، ظهرت لديهم أرجل أخرى، بعد أن تعددت الكيانات والقوى داخل سوريا، واستقر أغلبهم أخيراً داخل كيان وقوة جديدة، بعد أن رمى رمية الزهر المتبقية بين يديه، وهناك من ينتظر لرؤية الصورة بشكل أوضح قبل أن يرمي رميته الحاسمة، ومنهم من أعدها بشكل شبه كامل، بانتظار أن تظهر للعلن في القريب العاجل.. أو الآجل.
“الانشقاق المعاكس” في سوريا يطفو على السطح.. الأسباب والتداعيات
266