اتفاق دمشق و”قسد”: نقطة تحوّل مهمة في سوريا؟

by Ahmad b..d

*فرات بوست: تقارير ومتابعات-رأي

 

شهدت الساحة السياسية في سوريا تحولاً كبيراً مع الاتفاق الذي تم الإعلان عنه مؤخراً بين “قسد ذات الأغلبية الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة والحكومة السورية الانتقالية. بعد أسابيع من المفاوضات، يشير هذا الاتفاق إلى انفراجة محتملة في طريق البلاد الطويل والمعقد لإعادة التوحيد. ومع ذلك، لا يزال الاتفاق محفوفاً بالغموض، ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانه حقاً سد أحد أكثر الانقسامات ديمومة في سوريا.

قسد

  • بعد الانهيار غير المتوقع لنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، ظلت سوريا مجزأة بين الفصائل المتنافسة. تسيطر قسد، التي تعمل ككيان حكم ذاتي بحكم الأمر الواقع في شمال شرق سوريا منذ عام 2016، على مناطق غنية بالنفط وحيوية استراتيجياً. بدأت المفاوضات بين حكومة أحمد الشرع في دمشق وقسد (قوات سوريا الديمقراطية) فور دخول فصائل “المعارضة” بقيادة “هيئة تحرير الشام إلى دمشق، لكن الجهود المبذولة لدمج القوة التي يقودها الأكراد في هياكل الدولة السورية واجهت خلافات خطيرة حول الحوكمة والسيطرة الأمنية ووضع قسد في الإطار العسكري والسياسي السوري.
قسد

مدنيون وقوات موالية للحكومة يسيرون في شارع ثلاتين المدمر في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على الأطراف الجنوبية للعاصمة دمشق في 24 أيار/مايو 2018، بعد أن استولى النظام على المخيم وأحياء تضامن وحجر الأسود المجاورة  منذ عام 2012. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية) (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجيس)

توقيت هذا الاتفاق أمر بالغ الأهمية. ويأتي ذلك وسط دعوة تاريخية من عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون، إلى الحركة لإلقاء السلاح وحل نفسها. وفي حين أن رسالة أوجلان كانت موجهة في المقام الأول إلى تركيا، إلا أنها كانت لها آثار مضاعفة في جميع أنحاء المنطقة، مما يشير إلى تحول أوسع في الحسابات السياسية الكردية في سوريا أيضاً. لسنوات، تحدت تركيا التطلعات الكردية في سوريا، وشنت عمليات عسكرية متعددة لإضعاف وحدات حماية الشعب ومنع إنشاء كيان كردي مستقل على طول حدودها. وفي حين لا تزال أنقرة تعارض الحكم الذاتي الكردي، خففت دعوة أوجلان لخفض التصعيد من حدة التوترات الإقليمية وسمحت لقسد بتعزيز موقفها داخل سوريا. كما تمكن هذه الخطوة قسد من تجنب المواجهة المباشرة مع تركيا في وقت لا يزال فيه مستقبل وجود القوات الأمريكية في سوريا غير مؤكد.

قسد *مواد ذات صلة:

الحكومة السورية توقّع اتفاقاً تاريخياً مع “قسد”

قسد

تمتد أهمية هذا الاتفاق إلى ما هو أبعد من العلاقات الكردية مع دمشق. إنه يمثل محاولة حاسمة لرأب واحدة من أعمق الانقسامات الداخلية في سوريا ويمكن أن يكون له تداعيات أمنية بعيدة المدى. لا يزالتنظيم الدولة (داعش) يشكل تهديداً مستمراً، لا سيما في شرق سوريا. يمكن أن تؤدي الجبهة الموحدة بين الجيش السوري وقسد إلى عمليات أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب، وسد الثغرات الأمنية التي استغلها تنظيم الدولة مراراً وتكراراً.

كما شجع الاتفاق مجموعات أخرى، لا سيما الدروز في جنوب سوريا، على النظر في مزيد من الاصطفاف مع دمشق. وإذا نجح ذلك، يمكن أن يسرع جهود إعادة الإدماج ويساهم في تحقيق الاستقرار في المناطق الأخرى المتنازع عليها.

تدور الأحداث الأكثر دموية في سوريا منذ سقوط النظام في المنطقة الساحلية حيث تواجه الشرع أخطر تحديات. وأثار تمرد تقوده فلول قوات الأسد توترات طائفية، مما أسفر عن خسائر كبيرة في صفوف قوات الأمن ومذابح استهدفت المدنيين العلويين ارتكبتها قوات مرتبطة بالحكومة لكنها لم تندمج فيها بعد. يمنح الاتفاق بين دمشق وقسد أحمد الشرع الشرعية السياسية التي تشتد الحاجة إليها في سعيه لبسط سيطرته على الجبال والمدن الساحلية.

هناك مناقشات حول ما إذا كانت قسد قد تلعب أيضاً دوراً في تحقيق الاستقرار في المناطق الساحلية. ونظراً إلى الهيكل العسكري المنضبط للقوات الكردية و”خبرتها في عمليات مكافحة الإرهاب، يمكن أن تساعد في نزع فتيل التوترات الطائفية والتعاون مع الجيش السوري في محاربة الميليشيات التي لا تزال تشكل تهديداً خطيراً. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل مثل هذا الترتيب غير واضحة، وسيعتمد الكثير منها على الحسابات السياسية والعسكرية المتطورة.

في حين أن الاتفاقية تعد علامة فارقة مهمة، إلا أنها تترك العديد من القضايا الحرجة دون حل. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية في الغموض المحيط بتنفيذه. ويضع الاتفاق معابر حدودية رئيسية تسيطر عليها قسد ومطاراً وحقول نفط وغاز حيوية تحت إدارة دمشق، لكن لا يزال من غير الواضح كيف سيتم دمج القوات العسكرية التابعة لقسد في وزارة الدفاع السورية ونوع النظام السياسي الذي سيتم تطبيقه. كانت هذه القضايا نقاط شائكة رئيسية في المفاوضات ويمكن أن تحدد نجاح أو فشل الصفقة. علاوة على ذلك، لا يزال خطر التشرذم السياسي مرتفعاً.

وفي حين تبدو قيادة الجانبين ملتزمة بالاتفاق، قد تظهر عقبات في التفاصيل تعيق التنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، يضيف دور القوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة، مزيداً من الغموض.

قسد

مقاتل من قسد يقف على طول الطريق بينما ينتشر آخرون لفرض حظر التجول في بلدة البصيرة في محافظة دير الزور شمال شرق سوريا في 4 أيلول/سبتمبر 2023. (تصوير دليل سليمان / وكالة الصحافة الفرنسية) (تصوير دليل سليمان / وكالة الصحافة الفرنسية عبر Getty Images)

رحبت واشنطن التي قدمت دعماً عسكرياً ومالياً لقسد بالاتفاق لكنها لم توضح بعد موقفها من الحكومة الانتقالية في دمشق التي لا تزال تخضع لعقوبات شديدة. تواجه الولايات المتحدة الآن معضلة معقدة: فهي تدعم أحد الكيانات المشاركة في الاندماج بينما تفرض عقوبات نشطة على الآخر. يمكن أن تؤثر الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع هذا التناقض بشكل كبير على جدوى الاتفاق، لا سيما في تشكيل جوانب الأمن والحوكمة.

  • يُمثل الاتفاق بين قسد ودمشق خطوةً تاريخيةً في إعادة ترتيب أوراق سوريا بعد الحرب، إلا أنه ليس خالياً من المخاطر. فرغم إمكانية تحقيق الاستقرار في مناطق رئيسية، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، وتشجيع المصالحة الوطنية الأوسع، إلا أن الطريق إلى الأمام لا يزال مجهولاً. ويبدو أن الإرادة للمضي قدماً موجودة، ولكن ما إذا كان هذا يُمثل مساراً حقيقياً نحو الوحدة أم مجرد هدنة هشة أخرى في تاريخ سوريا الطويل والمضطرب، سيعتمد على الخطوات التالية التي تتخذها جميع الأطراف المعنية.

قسد


 

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy