أحمد بغدادي
“الجريمة ليس أنك قاتلٌ فقط، الجريمة هي أنهم يضعون على صدرك الأوسمة”
***
حاولت الإدارة الأمريكية بوجود (التاجر ترامب) تنفيذ أشرس المخططات الاقتصادية والعسكرية، إضافةً إلى إعادة هيكلة نفوذها في الشرق الأوسط، وخاصةً في سورية، لمنافسة روسيا التي عادت بأحلام “الاتحاد السوفييتي” ضمن “ملفات أخرى”، قد يتم الاتفاق عليها بين الـ (القطبين العالميين) لاحقاً.
أيضاً، وعلى خلفية الربيع العربي، اتبعت أمريكا تنفيذ استراتيجياتها المرسومة على المدى البعيد، ورغبة “تل أبيب ” بطرد الإيرانيين، ومناكفة الأتراك، الذين أصبحوا رقماً صعباً في المنطقة من الناحية الجيوسياسية، التي تعتبر أهم من العامل الاقتصادي الذي صعدَ من خلاله الأتراك في السنوات العشر الماضية.
لكن منذ يومين، تفاجأ العالم بأسره، عبر “تغريدة لترامب” بأن القوات الأمريكية سوف تنسحب من سورية خلال فترة أقصاها 90 يوماً، مع تصريح (واضح) للبنتاغون: إن حملة التحالف ضد “داعش” لم تنتهِ!
هنا، والكل يعرف، بحسب إحصائيات “البنتاغون” وتقييم الفرنسيين على الأرض، وغرفة عمليات قوات التحالف الدولي، أن مقاتلي داعش في سورية لم يُهزموا بالشكل المراد؛ بل ضمن هذه الحركة المفاجئة (القرار الأمريكي)، سوف يعيد مقاتلو “داعش” ترتيب أوراقهم _ أي الإنعاش السريع _ ليتمركزوا في جيوب أخرى، قد تتجاوز جغرافيا شرقي الفرات، ولربما تصل نحو حدود تركيا بشكل مباشر، بإشارة من قبل “قوات سوريا الديمقراطية _قسد” أنّها لا تضمن السيطرة على مقاتلي “داعش”، في حال انسحبوا من “دير الزور”.
أي أنّ قوات “قسد” مستعدة لإطلاق سراح “الذئاب” نحو “فرائسها”، المتمثلة بالمدنيين، وأية قوى تخالف “أيديولوجيتها”! وذلك على غرار ما فعله النظام السوري والإيرانيون، في بداية الثورة، حين ضربوا العمود الفقري للانتفاضة الشعبية بتلك القوى الراديكالية المتشددة، وصدّروا للعالم خطاب “محاربة الإرهاب”، كذريعة قذرة لقتل السوريين، وسحق النواة الحرّة التي تمثّلت بــ”الجيش الحرّ”، المنبثق عن طلائع الحراك السلمي في سورية.
هذا التهديد جاء بشكل مُبطّن على لسان رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس قوات سوريا الديمقراطية ” إلهام أحمد”؛ ضمن مؤتمر صحفي يوم الجمعة 21 /12/2018 في العاصمة الفرنسية باريس، التي “طالبت أيضاً عبره بفرض حظر جوي في مناطق شمال وشرق سوريا”.
إذن، الأكراد، “قسد”.. لم يتعلموا من الدروس السابقة! من خلال ضرب (استراتيجياتهم) مراتٍ عديدة من قبل الأمريكان والغرب؛ حيث تفوّق (المصالح) على أية أحلام وأماني وردية لأي طرف لاعب في سورية، وخاصةً “الأكراد”!
حتى الروس، الذين يُعتبرون “حلفاءً للأمريكان” ضمن الفترة الحالية، حيث “تل أبيب” تجمع الطرفين، فيما يخص سورية، والرهانات، والصراع الروسي الأوكراني على مصير “شبه جزيرة القرم “، قد يخرجون بخسارة فادحة من قبل الأوروبيين والأمريكان، إذا ما اتفق الاتحاد الأوروبي وواشنطن على كسر ذراع موسكو هناك؛ فإلامَ يعمدُ الأكراد؟! (أقصد السياسيين والعسكر)؛ وهنالك دول عظمى تتناحر على إعادة تشكيل نظام عالمي جديد!
ولتذكير الغافلين من هي أمريكا:
قد يذهب المعظم منّا بالقول “إن هنالك معارضين حقيقيين لسياسات ترامب في البيت الأبيض”! .. وهذا محض وهم؛ فالأمريكان منذ نشوء (دولتهم) عام 1783 على جماجم 108 مليون مواطن أمريكي أصلي من “الهنود الحمر” بمشاركة الإنكليز والإسبان، يعتمدون على “البروباغندا” والإعلام، لإظهار أنفسهم بأحسن صورة، أو على أنهم ديمقراطيون، وهم أصحاب المبادئ الإنسانية؛ أكان ذلك من خلال الأكاذيب المتكررة، والدعاية التي تمثّلت فيما بعد بــ”هوليوود”، أو عبر تصدير خطاباتهم على ألسنة “الرؤساء” وغيرهم من رجالات الإدارة الأمريكية وحلفائها.
فـ(دولة) كأمريكا، نشأت بفضل الدماء والأوبئة: ” الطاعون والدفتيريا والحصبة والسل والكوليرا” التي تم نشرها عبر (هداياهم _الأغطية) الموزّعة على قبائل “الهنود الحمر” المتبقية، “كعربون ترضية” بعد كل مجزرة يرتكبونها بحق أهاليهم… هل نصدّق فعلاً أنها “دولة ديمقراطية”؟
وإضافةً إلى هذا التاريخ الدموي، الذي يُعتبر السكوت عليه عاراً يلاحق كل إنسان حرّ، لم ترضَ الإدارات الأمريكية المتلاحقة بكل هذا الخراب! فحشدت كل جهودها وجيوشها لمحاربة الأبرياء في العالم والمستضعفين، وشيطنتهم، لتكمل مسيرتها الإجرامية في ضرب مدينتي “هيروشيما وناجازاكي” اليابانيتين، بقنبلتين ذريتين في أغسطس/ آب 1945 قتل بفعل هذا الانفجار النووي وقتها على الفور قرابة 220،000 من المدنيين؛ لتذهب بعدها إلى “فيتنام “، حاصدةً آلاف الأرواح هناك، علاوة على تعرض أكثر من 4،000،000 “فيتنامياً” للتسمم بمادة الديوكسين (العامل البرتقالي)!
ولم تنتهِ حروب الولايات المتحدة الأمريكية هنا، إذ إنها لعبت دور (الوسواس الخنّاس) مع بعض من دول الخليج، على رأسها السعودية، لإذكاء النيران التي تسببت بنشوب حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) عام 1980 حيث استمرت ثماني سنوات، راح خلالها مليون قتيل من كلا الطرفين.
إذن، حدّث ولا حرج، لن تفرغ السيرة الذاتية لأمريكا من أبشع الكوارث الإنسانية؛ فسجلّها حافل بالدماء والحروب!
فإن قلنا، ها هم الأمريكان “قد شبعوا” من القتل والغزو والتدمير، نراهم يخيبون ظنوننا بفعلةٍ جديدة، أبشع من سابقاتها؛ فلمجرد انتهاء ما تسمى (أحداث 11 أيلول عام 2001) التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي ومقر “البنتاغون”، حتى شنّت أمريكا حرباً ضروساً ضد أفغانستان، عنوانها العريض (الحرب على الإرهاب)؛ تبع هذه الحرب الدموية غزو العراق عام 2003، وتدميره، من كل النواحي، بمشاركة “بريطانيا رأس الأفعى” في العالم، ومساعدة إيران (صديق الأمس، عدو اليوم)!
فأمريكا كما يعرف من قرأ تاريخها، أنها تلعب سياسة (التاجر اليهودي).. لا تُثمّن، بل إنها تغبن (الزبون)، وهذا ما لم يدركه الأكراد حتى هذه اللحظة (الأحزاب والفصائل العسكرية)!
فهل ينتظرون وقت المساومة _أي الأكراد_ ليخسروا من جديد ويتم التخلي عنهم بشكل مُطلق، ورميهم في ساحة صراع وتناحر مع الأتراك الذين أجّلوا معركة شرقي الفرات بداعي دراسة (هذا الفخ الأمريكي)؟
أم أنّ الأمريكان لديهم حتى الآن مفاجآت جديدة للروس، تتمثّل بجرّ “قسد والنظام السوري” نحو حرب استنزاف أحد أطرافها الأتراك، يشارك فيها الإيرانيون (بميليشياتهم)، مُعلنين أنهم انسحبوا من “سوتشي” بوقاحة، موجهين صفعةً واضحة للحليفين الروسي والتركي، اللذين تركا _ الإيراني _ تحت نير الضربات الإسرائيلية، والتي قد تتطوّر إلى ضربات أمريكية في العمق الإيراني بمشاركة “الناتو الخليجي”؟
إن أمريكا لن تبتعد كثيراً عن الشرق الأوسط، وخاصةً في سورية “المنطقة الشمالية الشرقية”، التي تعتبر خاصرة رخوة، تشهد نزاعات واقتتال شرس على النفوذ، حيث ثروات الطاقة “الغاز والنفط”. وما هذه “التغريدة لترامب” سوى “جسّ نبض و “نكتة سياسية، بغض النظر عن “تقديم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته” التي تعتبر أيضاً ” استكمالاً للخطة”؛ التي سيشرحها “البنتاغون” بعد فترة بما يلي:
* سوف نبقي على قوات مراقبة في سورية لتقيّم الوضع.
وبعدها، يأتي الإيرانيون ويستهدفون هذه القوات بمساعدة “روسية”، عن طريق قوى صريحة “ميليشيات” أو تسهيل معابر “لداعش”؛ آنذاك، سوف يعود التمركز الأمريكي بزخم في المنطقة الشمالية الشرقية، وبقوّة، كي ينتقموا على طريقة ” هوليوود” من القتلة، ويبدؤون حربهم الشرسة ضد إيران بالتوازي مع الضربات الإسرائيلية والصمت الروسي التركي.
وأخيراً: أمريكا ظل بريطانيا، وهي صاحبة الكلمة الأولى، في المجريات، رغم أنها لم تظهر ذلك بقدرٍ معيّن داخل سورية، إلا أن لها الدور الرئيس في ضرب الثورة السورية، مع الروس والنظام السوري و(أكراده وحركاته الإسلامية) والسعودية وقطر، والكائنات الفضائية ودول (أصدقاء سوريا)!