فرات بوست: رأي
في زمن كانت سوريا تنزف فيه كنا نعتقد أن الثمن الذي دفعناه سيفتح أبواباً لمستقبل واعد لهذا الشعب المعذب، مستقبل نصيغه بأيدينا
لكن اليوم، تتسلل أسئلة لا مفر منها: من الذي يرسم الآن خطوط هذا المستقبل بدلاً عنا؟
فصائل مسلحة ورئيس قسري لم يختره أحد منا، بل وجد نفسه فجأة فوق الجميع، كأن القدر قرر نيابة عن شعب صامت ومعارضة تلاشت وأقصيت!
الشرع ليس مجرد اسم، بل رمز لسلطة تتشكل في الظلام، بعيداً عن أعين من ضحوا بالغالي والنفيس.
والصورة تبقى غامضة، تنظيمات ترفع شعار الشريعة كأنها عصا سحرية، لكن من يضمن ألا تتحول هذه العصا إلى سيوف يتقاتلون بها فيما بينهم؟
التاريخ يعلمنا أن المتشددين لا يظلون متفقين طويلاً، فكلٌ يرى الحق في جيبه، وكلٌ يحمل مشروعه تحت عباءته .
وفي هذا الظلام ، تبرز أيادٍ خارجية ترسم خططاً على أرضنا من الجارة الشمالية إلى الممولة الخليجة القطرية وتمكين هؤلاء المتشددين بعناية، كأنها تعتني بشجرة ستستظل بها وحدها يوماً.
ما أليس من اللافت أن من يمدون السلاح والوعود اليوم، قد يحصدون الأرض والنفوذ غداً؟
ويتبادر إلى الأذهان أمر آخر، يجب أن نحذر من الانجرار وراء كلمات معسولة تبثها شاشات الجزيرة وإعلام الإخوان، الذين سبق أن قلبوا أوطاناً وأشاعوا فيها الخراب باسم الشعارات، فرحتنا بالخلاص من النظام السابق يجب ألا تعمينا، وألا تنسينا أن سوريا بكل أبنائها وطوائفها يجب أن تبقى موحدة تحت حكم ديمقراطي مدني يمثل فيه الجميع،
أي حكم ديني يُفرض الآن سيكون كارثة، صراعات لا تنتهي، ودم جديد بين من كانوا إخوة.
وكما تجري الأمور، الفصائل اليوم حلفاء، وربما غداً خصوم يتنازعون على الخلافة وتطبيق الشريعة.
وفي هذا الزحام، أين صوت السوري الذي عاش الحرب وتاه في أروقتها؟ الأيام تمضي، والمشهد يتشكل بأيدٍ غير مرئية، بعضها من هنا، وبعضها يمتد من وراء الحدود.
لكن السؤال الأعمق يبقى معلقاً كغيمة سوداء: إذا ضاع الحلم مرة، فما الذي يضمن ألا يصبح الواقع كابوساً جديداً يخدم أحلام الآخرين على حسابنا؟ ربما الجواب ليس في الكلمات، بل في المسافة بين السطور.