تفاقمت في مدينة الحسكة وريفها خلال الأسابيع الأخيرة أزمة المياه بشكل كبير، خاصة مع دخول فصل الصيف، وازدياد حاجة السكان إلى المياه.
واضطر سكان من المدينة في الأيام الماضية، إلى شرب مياه الآبار المالحة، وهو ما ينبأ بحدوث كارثة صحية وآفات و أوبئة، كما يقف المئات من المواطنين المدنيين في طوابير على الصهاريج للحصول على كميات قليلة من الماء.
و لا يزال ما يقرب من مليون مواطن في مركز المدينة بدون مياه، وليس لديهم القدرة على حفر آبار بسبب التكلفة المرتفعة التي تصل الى مليون ليرة للبئر الواحد.
ما هي قصة الحسكة مع قلة مياه الشرب، رغم مرور عقود من الزمن، وأسباب عدم وجود حلول لها حتى الآن؟
قبل عام 1994 كانت محافظة الحسكة إحدى أغنى المحافظات السورية بالثروة المائية، حيث كان يتدفق إلى المحافظة نهر الخابور، أحد أغزر أنهار سورية في تلك الفترة، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الروافد الصغيرة التي ترفد النهر، أبرزها نهر جغجغ، وينبع من الأراضي التركية.
قبل 3 عقود، كان يرفد نهر الخابور في مدينة رأس العين شمال الحسكة 360 نبعاً، إضافة الى النبع الأساسي في جبال طوروس في تركيا.
انشأ في محافظة الحسكة في وقت سابق سدين لتجميع مياه النهر شمال مدينة الحسكة بهدف تغذيتها بمياه الشرب، لكن مع اتساع أعمال التنقيب عن النفط في المحافظة، وقيام مجموعة من الشركات النفطية العالمية المتعاقدة مع آل شاليش آنذاك بالتنقيب عن النفط في منطقة رأس العين، وعلى أعماق كبيرة، أنخفض مستوى مياه الينابيع وتوقف معظمها عن رفد النهر بالماء.
تزامن تدهور الواقع المائي في تسعينيات القرن الماضي، مع الاضطرابات الكبيرة في العلاقة مع الجارة تركيا، والتي سببها دعم نظام حافظ الأسد للأحزاب الكردية المناوئة لأنقرة، مما حذى بالأخيرة إلى خوض حرب مائية شهيرة، انتهت بتنازل الأسد عن حصة سورية من مياه نهر جغجغ ومياه نهر الخابور.
حاول نظام حافظ الأسد استدراك الموقف، فأنشأ سد الحسكة الجنوبي على مياه نهر الخابور، لكن بعد فوات الأوان، لأن مياه الينابيع جفت وتوقف تدفق النهر من تركيا، ما حوله إلى مجرد وادي تتجمع فيه مياه الأمطار فقط، لتبدأ كارثة مائية كبرى في الحسكة.
تحولت المحافظة بعد عام 1994 إلى محافظة فقيرة بالمياه، وأصبح اعتماد السكان في معظم مدن وأرياف المحافظة على شراء الماء الصالح للشرب من صهاريج تنقل المياه من بعض الآبار، وأشهرها بئر “نفاشة” في جبل كوكب شرق الحسكة.
معاناة فقدان المياه مستمرة إلى يومنا هذا في معظم مناطق المحافظة، ومن الحلول الترقيعية التي سعى إليها النظام، حفر مجموعة من الآبار في قرية علوك بالقرب من رأس العين لضخ المياه منها الى مركز مدينة الحسكة، وبقي الحال على ماهو عليه حتى يومنا هذا.
الجدير بالذكر، أنه في عام 1975 تم التصديق على مشروع استجرار مياه نهر دجلة عبر قناة كبيرة لرفد مياه الخابور ومجموعة من الأودية المرتبطة به، لتتحول إلى أنهار كوادي الجراح ووادي الرد في شمال شرق المحافظة وصولاً إلى نهر الخابور، ولم ينجز شيء من المشروع حتى يومنا هذا.
كانت هناك فكرة مشروع آخر لاستجرار مياه نهر الفرات لتغذية مدن المحافظة عبر قناة مياه من نهر الفرات، بالقرب من قرية الصبحة في دير الزور وصولاً إلى بلدة الصور، ثم إلى الريف الجنوبي للمحافظة وصولاً لمركز مدينة الشدادي جنوب الحسكة، لكن المشروع فشل بسبب الفساد وسوء التخطيط، ورغم وصول المياه إلى مدينة الشدادي، إلا أنه لم يتم ضخها إلى المدينة سوى ثلاثة أيام لتفجر بعدها أنابيب نقل المياه في المدينة بسبب قدمها وسوء توزيعها.
منذ تلك الأيام، تعاني أرياف المحافظة من الحصول على الماء بسبب قلة أعداد الصهاريج التي توزع المياه في القرى والبلدات والمدن، إضافة إلى أن الضخ من محطة علوك الى الحسكة يستغرق وقتاً طويلاً، فكل حي من احياء مدينة الحسكة لا يصله دور الضخ الى بعد انتظار أسبوع أو عشرة أيام على أقل تقدير.
مع سيطرة “قسد” على المحافظة، انتقلت إدارة أزمة المياه إليها بالتنسيق مع دوائر المياه التابعة للنظام، لكن ما زاد الطين بلة، العملية العسكرية التركية في منطقة رأس العين التي أوجدت مشكلة جديدة، وهي أن الجانب التركي يرفض ضخ المياه من محطة علوك الى مدينة الحسكة إلا بشرط أن تقوم “قسد” بتزويد رأس العين بالكهرباء، وبسبب تعنت الجهتين، ما تزال محطة علوك متوقفة عن العمل.
من الناحية المادية : قبل عام 2011 كان يتم بيع مياه الشرب من الصهاريج بـ100 ليرة للبرميل الواحد، أي أن تكلفة تعبئة الخزان 1000 لتر هي 500 ليرة.
بعد عام 2011، ارتفعت التكلفة من ألف ليرة إلى 3500 ليرة مع حلول عام 2019، وذلك بسبب انهيار قيمة العملة السورية، وزيادة الطلب على المياه الصالحة للشرب.
مع توقف محطة علوك عن ضخ المياه الى مدينة الحسكة، ازداد الطلب على المياه من الصهاريج، ما أدى إلى ارتفاع سعر تعبئة الخزان سعة 1متر مكعب اليوم إلى 6000 ليرة، مع الإشارة إلى ندرة الصهاريج وعدم تغطيتها للمدينة و أريافها .
بالنسبة لمعظم القرى و مدن الريف، فإنه لا يخلو بيت من بئر ماء، ولكن معظم هذه الآبار ذات مياه مالحة بسبب الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، ويستخدم الأهالي هذه المياه في شؤونهم اليومية، بينما يضطرون إلى شراء مياه الشرب