خاص – فرات بوست
تواترت مؤخراً لـ”فرات بوست”، أنباء مؤكدة تفيد بوصول عناصر وقادة من تنظيم داعش إلى شمال سوريا أو تركيا، أو حتى إلى كردستان العراق، وغيرها من المناطق الواقعة خارج سيطرة التنظيم، إضافة إلى ما يمكنه وصفه بـ”الهروب الداخلي” إلى مناطق أخرى خاضعة للتنظيمالبوكمال والحدود السورية العراقية.
“فرات بوست” حاولت تسليط الضوء على عشرات الحالات الموثقة خلال الأسابيع الماضية، لكنها بحثت بشكل مفصل أكثر حول هذه الظاهرة، محاولة الإجابة على العديد من الأسئلة وتسليط الضوء على أهم النقاط حولها، ولعل من أهمها، أعداد الهاربين، والأمكنة التي يتوجهون إليها، وأسباب اختيارهم لهذه المناطق، والظروف التي دفعت بهؤلاء إلى الهروب، وما نسبة القيادات منهم؟. وهل هي قيادات عسكرية أم إدارية داخل التنظيم؟. وأخيراً التوقعات من توسع هذه الظاهرة أو انحسارها مستقبلاً.
المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست”، تؤكد أن أعداد الهاربين من عناصر وقادة داعش إلى خارج مناطق سيطرته خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تتراوح ما بين 300 و400 شخص، والكثير من هؤلاء وصل إلى مناطق خاضعة لسيطرة قوات “درع الفرات” التي تمكنت من طرد التنظيم من مناطق واسعة على الحدود السورية التركية بالتعاون من الجيش التركي، في الفترة الواقعة ما بين 24 أغسطس/ آب العام الماضي، و29 مارس/ آذار الماضي.
المعلومات أضافت بأن قيادات ميدانية من داعش (من الصف الثاني والثالث) هي من بين هؤلاء الهاربين لكن أغلبهم من السوريين، أو ما اصطلح على تسميتهم لدى التنظيم بـ”الانصار”، وبالتالي كانت نسبة الهاربين من الجنسيات الأخرى محدودة جداً.
وتوجه أغلب الهاربين إلى الأراضي التركية عبر المرور بالأراضي الخاضعة لسيطرة “درع الفرات” شمال سوريا، وسط أنباء تفيد بأن البعض من هؤلاء أصبح خارج الأراضي التركية عبر إتباع طرق التهريب، أو من خلال الطرق النظامية من خلال استخدام أوراق مزورة.
حادثة القبض على قاتل الصحفيين السوريين العاملين في شبكة “الرقة تذبح بصمت” من قبل السلطات التركية مؤخراً، أثناء رحلة عودته من الرقة (التي فر إليها عقب تنفيذه جريمته منذ نحو عامين)، ربما يدلل على وجود هذه الظاهرة، لتشمل عناصر معروفة ومطلوبة من السلطات التركية.
لماذا الشمال السوري؟
السؤال المتعلق بأسباب اختيار نسبة كبيرة من هؤلاء شمال سوريا، تقول الإجابة عنها، إن من أهمها التسهيلات التي يحصلون عليها من بعض مقاتلي “درع الفرات” الذين يتم التنسيق معهم عبر وسطاء، أو بطريقة مباشرة، ويلعب المال والعشائرية الدور الأكبر في هذا المجال، مع ضرورة التنويه هنا، إلى أن عدد كبير من عناصر وقادة “درع الفرات” هم من أبناء المنطقة (دير الزور والرقة)، ما جعل النزعة العشائرية تلعب دوراً في تسهيل هروب عناصر من داعش من ذات العشيرة أو المنطقة التي ينتسب عليها قادة وعناصر “درع الفرات”، أو غير من فصائل المعارضة السورية، وهذه الحالات قد لا تكون الغالبة، لكنها موجودة.
المال الوفير المتواجد لدى عناصر وقادة من التنظيم، كان له دوره أيضاً في تسهيل هروب عدد من أصحاب هذه الظاهرة، مع التنويه إلى أن أصحاب المال من قادة وعناصر التنظيم الهاربين لا يفضلون البقاء داخل سوريا، وإنما تجاوز أغلبهم الحدود السورية، متوجهين إلى الأراضي التركية، وبعضهم كانت مدينة أورفا جنوب البلاد هي الحاضنة الأكبر لهم، وكان لعلاقات القرابة والمصاهرة والعشيرة الدور الأبرز في أسباب احتضانهم، والتغطية عليهم من قبل السوريين المتواجدين هناك، رغم موقف البعض من هؤلاء المعادي لداعش.
كما توجه آخرون إلى ولايات تركية أخرى بأسماء وهمية وأوراق مزورة ومن بينها اسطنبول، ومنهم من عبر البحر إلى اليونان في محاولة للوصول إلى أوروبا.
ما هي الأسباب؟
“الضائقة العسكرية” التي يعانيها داعش إن صح الوصف داخل سوريا، ولا سيما في الرقة ودير الزور، قد تكون من أبرز الأسباب التي دفعت بهؤلاء إلى الهروب، وبالتالي تدلل هذه الظاهرة، على حالة وهن كبيرة يعيشها التنظيم داخل صفوفه، ولعل فرض التجنيد الإجباري من دير الزور، وإعلان النفير العام مؤخراً، من الأدلة الواضحة على ذلك.
هذا الظاهرة، قد تحمل في طياتها وجه آخر، وتتعلق بخطط ونهج جديد ربما يخطط له التنظيم في المستقبل التقريب، عبر زرع عناصر له داخل تركيا (والادعاء بفرارهم أو انشقاقهم) وتسهيل وصول بعضهم إلى أوروبا، من أجل تنفيذ هجمات كبيرة، وهو سيناريو موجود وغير مستبعد، لكن لا يمكن الجزم بأنه يشمل جميع من تمكن من الوصول إلى تركيا أو اليونان، لكنه يبقى من الاحتمالات القائمة.
الهروب الداخلي..!!
مما يلفت النظر عند البحث عن أسباب ظاهرة هروب عناصر وقادة من داعش من دير الزور والرقة خاصة، هو أن نسبة من هؤلاء اختاروا البوكمال (شرق محافظة دير الزور) ومنطقة القائم (الح
دود السورية العراقية) كوجهة لهم، رغم أنها خاضعة لسيطرة التنظيم أيضاً، والتفسير الوحيد الذي قد يكون خلفه، هو اشتداد المعارك في الرقة، وتوقع معركة كبيرة في دير الزور بدأت ملامحها تظهر الآن، وبالتالي لجأ العديد من أبناء دير الزور المبايعين للتنظيم، إلى الهروب لهذه المناطق، كونها ستكون آخر قلاع التنظيم.
ومن بين المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست” فإن عدد من الهاربين إلى الحدود السورية العراقية، اختفوا بعد عدة عمليات إنزال في المنطقة، مما يضع تابعيتهم وعمالتهم للتحالف الدولي ضمن الاحتمالات الواردة، وهناك معلومات أخرى مؤكدة، تفيد بوصول البعض منهم إلى المناطق الكردية في شمال العراق عن طريق تلعفر قبيل طرد مقاتلي داعش منها.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه أخيراً، يقول: هل تستمر هذه الظاهرة، أم ستنحسر خلال الفترة القادمة؟.
والإجابة عليه بالتأكيد لن تخرج عن إطار التوقعات والتكهنات المرتبطة بالتطورات الميدانية، التي تشير إلى تدهور واضح بالنسبة داعش، وبالتالي ربما نشهد يرجح تصاعد هذه الظاهرة خلال الفترة القادمة، إلا إذا كان للواقع الميداني رأي آخر.