بقلم : رقية عبادي لفرات بوست ، دير الزور ، باريس
كنتُ أتمنى لو أنني لم افتح ذاك الباب إطلاقاً. هكذا تقول مها ( اسم مستعار) لم تكن تعرف أن من يطرقون باب البيت سوف يسببون كل تلك الكارثة التي حصلت معها ومع عائلتها.
في شهر حزيران 2018 اشتد خلاف عشائري بين شخصين، الأول من عشيرة البوليل ذو صلة قرابة بـ”مها” والثاني من عشيرة المشرف، ليصل إلى إطلاق النار على بَعْضِهِما البعض، نقل إثرها إلى مستشفيين مختلفين، لكن من سوء الحظ، توفى الرجل الذي ينتمي إلى عشيرة المشرف.
تقول مها لـ”فرات بوست”: وصلتنا تحذيرات بضرورة إخلاء بيتنا خوفاً من الثأر العشائري، لكن والدي وعمي رفضا ذلك، وقالا: “نحن لسنا طرف بهذا الاقتتال”.
وتضيف: “طمأنت والدي وعمي لم تكن في محلها إطلاقاً، في اليوم الثاني من الاقتتال كان يقف الشر على باب بيتنا، كانت الساعة الثانية عشر ظهراً عندما طرق الباب بشكل مفاجئ، ويا ريتني لم افتح ذلك الباب أبداً”.
وتابعت: “أسرعت لفتح الباب، و إذ هناك 15 رجلاً مسلحاً يقفون أمامي، دخلوا مسرعين كالبرق إلى فناء البيت وهم يطلقون العيارات النارية بشكل عشوائي في الهواء، ويبحثون عن والدي و عمي”.
تكمل “مها” حديثها وهي تحاول أن تبتلع ريقها و تخفي دمعتها حزناً على تلك المأساة التي حصلت في ذلك اليوم المشؤوم: “عندما دخلوا إلى أحد الغرف التي كان يجلس والدي و عمي بها، سرعان ما أطلقوا النار على عمي وأردوه قتيلاً، حاولت أن امنعهم من قتل والدي، لكن الرصاصات كانت أسرع مني، أطلقوا الرصاص على قدمي، وعلى والدي الذي قتل على الفور”.
وأضافت: “أتذكر تلك الجملة التي قالها أحدهم مشيراً الي ( هي اقتلوها، خلصوا منها) لقد نجوت بأعجوبة من تلك المذبحة”. تقول بحرقة شديدة تخرج من حنجرتها ( يا عاش عمري قتلوا أبوي).
رغم كل الذي حصل لم يكتفوا بتلك الدماء، خرجوا يبحثون عن أحد شبان عشيرتي وهم يطلقون العيار النار بشكل عشوائي، ما أدى إلى وجود الكثير من الإصابات، كل هذا من أجل رجل واحد قتل أثناء شجار بين شخصين، كانت الخسارة كبيرة وغير متوقعة، لقد خسرت والدي وعمي و قدمي اليسرى.
مها التي تبلغ من العمر 18 عاماً، هي شاهدة وناجية من الثأر عشائري لا ناقة لها ولا جمل، تعيش مع والدتها وإخوتها الصغار في قريتهم التي لا نستطيع اذكر اسمها خشية على سلامتهم.
تعاني “مها” من إعاقة في قدمها اليسرى اثر إصابتها، و بسبب الأوضاع المعيشية والصحية المتردية وعدم قدرت عائلتها على علاجها تسبب ذلك في قصور بالقدم اليسرى.
النساء ضحايا الاقتتال العشائري:
ما أصيبت به “مها” لا يعتبر الأول من نوعه إطلاقاً، غالباً ما كانت النساء يدفعن ثمن الاقتتال والخلافات العشائرية، ربما لا توجد إحصائيات دقيقة على عدد الضحايا من النساء اللواتي قتلن إثر الاقتتال، وما يسمى الثأر العشائري، لكن المؤكد أنه يتم الزج بهن ضمن تلك الخلافات.
في 29 آب من العام الجاري، نشب خلاف عشائري على خلفية مشكلة قديمة عمرها 5 سنوات في قرية حمار الكسرة بريف دير الزور الغربي، إلى أن تطور الخلاف بين فخذ السلطان و السماحي -وهم من عشيرة البكارة- وأصبح اقتتالاً راح ضحيته امرأة في الخمسين من عمرها تدعى “غازية” و طفل لا يتجاوز السنة، وشاب في مقتبل العمر.
ربما نعود قليلاً بذاكرتنا إلى الاقتتال الأعنف الذي لم ينساه أبناء مدينة دير الزور، ووقع في شهر آب عام 2013 بين عشيرة القرعان وعشيرة النجرس، وذلك بسبب اتهام الأولى للثانية باغتيال قائد لواء القعقاع “علي المطر”، لكن الهيئة الشرعية آنذاك قامت بتبرئة النجرس، ليبدأ بعدها الاقتتال مستخدمين جميع أنواع الأسلحة الثقيلة، الدبابات والشيلكا ومدفع الهاون باتجاه مدينة العشارة،
العملية هذه أدت إلى وقوع قتلى وجرحى من بينهم طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، وأصيبت بشظية في رأسها تسببت لها بشلل كامل حتى هذا اليوم، كما أصيبت أيضاً امرأة تسكن في حي البو عواد بطلقة في كتفها.
هذا الاقتتال العنيف استمر عدة أيام، وتسبب بحالة خوف كبير لدى النساء و الأطفال، كما أنه وصف بالأعنف من ناحية الخسائر في الأرواح وكمية السلاح المستخدم.
لا أريد أن أضيع البوصلة هنا لذلك سوف اكتفي بذكر المثالين السابقين، حيث أن المنطقة مرت بالعديد من الخلافات العشائرية التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء ( النساء والأطفال………الخ) كل هذا بسبب العادات والأعراف التي يقوم عليه النظام العشائري بحل نزاعاته عن طريق السلاح حتى يقوم شيوخ ووجهاء العشائر بالتدخل لحل النزاع.
الانفلات الأمني وحل المشكلات بالسلاح:
يعاني ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة “قسد” من انفلات أمني واسع، حيث ينتشر السلاح بين الأهالي بشكل كبير حتى أصبح ظاهرة عامة، في ظل غياب الأمن العام أو محكمة وقضاة يتيح لهم اللجوء إليه لحل مشاكلهم، وهذا ما يؤدي إلى وقوع في فوضى أكبر داخل المنطقة.
ظروف صعبة تعيشها النساء:
رغم وجود منظمات مجتمع مدني في ريف دير الزور، ألا أنها تفتقر إلى تأمين الرعاية والاهتمام بالنساء ضمن برامجها، لأن أغلب البرامج تقوم على المشاريع الخدمية لإعادة الإعمار المنطقة.
كما أن النساء في ريف دير الزور لم يكن ضحايا الاقتتال والثأر العشائري فقط، وهذا ما يندرج تحت مسمى النزاعات الداخلية، لكنهن تعرضنا في السنوات الاخيرة إلى أبشع جرائم العنف الجنسي في زمن النزاعات المسلحة.
حيث يشمل العنف الجنسي كل الأفعال ذات الطبيعة الجنسية المفروضة بالقوة والإكراه، كالتحرش الجنسي والاغتصاب والاستغلال الجنسي داخل مخيمات اللجوء.
لذلك يجب أن توجه المنظمات المجتمع المدني اهتمامها بشكل كبير إلى حماية النساء في المنطقة من تلك النزاعات.