*فرات بوست | تقارير ومتابعات
في عام 2012، بعد مرور ستة أشهر على الاحتجاجات السلمية في سوريا، طالب نشطاء فاعلون على الأرض بإشراك مراقبي الأمم المتحدة مع المتظاهرين لوقف إطلاق النار العشوائي من قبل نظام الأسد على الحشود التي خرجت للمطالبة بالحرية من الاستبداد. دعا المتظاهرون إلى فرض منطقة حظر جوي، وهي ذات الحماية الدولية من “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) التي أدت إلى الإطاحة بالدكتاتور الليبي معمر القذافي. فلم يحظَ السوريون بأي دعم، وتركوا وحيدين تحت وطأة البراميل المتفجرة، والتقتيل والاعتقالات، من قبل أجهزة مخابرات الأسد، والميليشيات الطائفية الإيرانية كـ” حزب الله” وغيرها من ميليشيات أفغانية وعراقية.
بعد عقد (عشر سنوات) من الوحشية، قتلَ أكثر من مليون مدني في الحرب السورية، حوالي 25,000 منهم من الأطفال.
لم يكن حجم الدمار في سوريا ممكناً لولا دعم الدكتاتور الروسي فلاديمير بوتين لنظيره الطاغية بشار الأسد، الذي تضاءلت سلطته بشكل كبير بحلول عام 2015 عندما دخلت روسيا الحرب.
جنباً إلى جنب مع إيران، قصفت القوى الثلاث المستشفيات والمدارس والأسواق واستعادت مساحات من الأراضي التي استولت عليها المعارضة.
حالياً، حولت روسيا “الحرب” إلى جارتها، أوكرانيا، في صراع له أوجه تشابه مذهلة مع حربها على سوريا. وتشير التقارير إلى أن روسيا استخدمت في أوكرانيا الذخائر العنقودية لقتل وإصابة المدنيين وإلحاق الضرر بالمدارس والمستشفيات.
في شباط 2016، قالت “هيومن رايتس ووتش” إن روسيا استخدمت الذخائر العنقودية في سوريا 14 مرة على الأقل خلال أسبوعين، مما أسفر عن مقتل 37 شخصاً.
في إحدى الصور، تختبئ أمهات ونساء حوامل في قبو مشفى مؤقت للولادة في كييف، بعد أن نقل طبيب مرضاه إلى هناك هرباً من القصف الروسي.
في صيف عام 2016، ألقي باللوم على نظام الأسد وبوتين في استهداف مشفيين للولادة في محافظة إدلب. وطلب من السكان في أوكرانيا الاحتماء تحت الأرض لتجنب التعرض للرصاص الطائش، مما يستحضر ذكريات آلاف الأطفال الذين اختبأوا داخل الأقبية السفلية في عام 2018 بمنطقة الغوطة الشرقية بعد أن عانوا من 48 ساعة من الغارات الجوية وقذائف المدفعية.
مواد شبيهة:
بيلاروسيا ترحل بالقوة مجموعات من السوريين المطلوبين إلى نظام الأسد
وفقاً لوثيقة مسربة من وزارة الصحة الروسية، وكما ذكرت وسائل إعلام غربية، أن القادة العسكريين يخشون من أوامر “بوتين” بشن هجوم بالأسلحة الكيميائية مع استمرار القتال في أوكرانيا.
وعبّر العديد من المسؤولين الغربيين عن قلقهم الشديد بشأن ما يمكن أن يحدث إذا استخدم بوتين قنابل حرارية تحتوي على مزيج من الوقود والكيماويات في أوكرانيا.
في حلب، ألقت القوات الروسية قنابل حرارية، يقال إنها أقوى المتفجرات إلى جانب الأسلحة النووية، ووصفت بأنها مادة شبيهة بالفوسفور تسبب حروقاً شديدة وقاتلة، وصواريخ باليستية، ومع ذلك لم يتم محاسبتها على الإطلاق.
في بيان مروع خلال عام 2018، قال المسؤولون الروس إنهم اختبروا أكثر من 200 سلاح في سوريا.
حقّق تقرير للأمم المتحدة صدر قبل عامين في الفظائع المرتكبة داخل سوريا، وخلص إلى أن روسيا كانت متورطة بشكل مباشر في جرائم حرب للقصف العشوائي الذي استهدف المناطق المدنية.
قبل أربعة أيام من غزو روسيا لأوكرانيا، قالت هيومن رايتس ووتش إنها تعتقد أن” استراتيجية جرائم الحرب ” يمكن أن تحدث مرة أخرى في أوكرانيا. وقال كينيث روث:” نشعر بقلق عميق من أن استراتيجية جرائم الحرب هذه (يمكن) تكرارها في حالة أوكرانيا إذا اندلع نزاع مسلح هناك”.
بينما يعيد التاريخ نفسه، فإن الخذلان في إدلب في سوريا واضح بشكل لا ريب فيه، حيث لم يعبّر السكان المحليون عن تضامنهم مع أوكرانيا فحسب، بل دعوا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات جماعية هادفة لتجنب المزيد من الوفيات بين المدنيين.
يوم الاثنين، دعت 40 منظمة مجتمع مدني أوكرانية الدول الغربية إلى توفير معدات طبية للحالات الطارئة، وتوفير “التكنولوجيا” لدعم جماعات حقوق الإنسان وإنشاء مناطق آمنة داخل البلاد للنازحين داخلياً.
ولكي يتم تطبيق المنطقة الآمنة، ستكون القوة الجوية مطلوبة، لكن الناتو قال حتى الآن إنه غير مستعد للدخول في صراع مباشر مع القوات الجوية الروسية.
في سوريا، أصبحت الدعوة إلى فرض منطقة حظر جوي فوق البلاد واحدة من أكثر المناقشات طويلة الأمد خلال الحرب، ولا تزال حتى اليوم تعتبر مثالاً لما كان بإمكان الغرب فعله لوقف قتل المدنيين، لكنه (أي الغرب) لم يفعل ذلك؟!
إن حجم وكمية الأسلحة والمعدات التي يتم إرسالها إلى أوكرانيا تثير تساؤلات عديدة. وقد تساءل بعض السوريين عن سبب تجاهل طلبات الصواريخ المضادة للطائرات في بداية ثورتهم، في حين أن العديد من الدول الأوروبية أرسلت بالفعل شحنات إلى أوكرانيا.
كان القصف الجوي المستمر بلا هوادة أسلوباً ممنهجاً من قبل قوات نظام الأسد، بدعم من روسيا، وعدم وجود صواريخ مضادة للطائرات أبقى المدنيين السوريين العزل تحت سطوة الموت، في كل لحظة، أمام المجتمع الدولي، والدول العربية، حيث الجميع يتشدق بحقوق الإنسان ومحاسبة القتلة!
من المستحيل أيضاً تجاهل السرعة التي استجاب خلالها الغرب للمقاومة الأوكرانية، في غضون أيام من الغزو الروسي، في حين أن السوريين لم يتلقوا من الغرب ودول “الديمقراطية وحقوق الإنسان” سوى بيانات التضامن، والشجب والاستنكار!!
إذا كان الغرب قد تصرف بشكلٍ مقصود (عنصري) في سوريا، فلن تشعر روسيا اليوم بالجرأة لضرب هذا العدد الكبير من المدنيين في أوكرانيا.
ويتساءل السوريون: لماذا روسيا عدوٌ في أوروبا اليوم، ولم تكن مجرمة في سوريا؟ ومع ذلك، فإن هزيمة “بوتين” الآن ستغير منهجه الإجرامي في سوريا.
- هناك أمر واحد مؤكد – أينما حدث، تأتي الحرب بتكلفة لا تصدق، وخاصة بالنسبة للمدنيين.