خاص – فرات بوست
رغم تصدر دير الزور المشهد السوري خلال أسابيع خلت، إلا أن الغائب الوحيد عن الحدث اليومي هو حال سكانها، الذين توزعت معاناتهم ما بين قتل وتشريد واعتقال، أو المصير المجهول.
ريف دير الزور الغربي وكذلك بعض قرى الريف الشرقي القريبة من المدينة، قد يكون أنموذجاً في التغييب المتعمد لجرائم طالت البشر والحجر، قبل أن تضاف عليها جريمة أخرى، ألا وهي “تعفيش” الممتلكات، الذي جاء بالتزامن أو بعيد “تعفيش” الأرض والأرواح.
النزوح خاصة إلى الجانب الآخر من النهر (الجزيرة)، كان الخيار الوحيد لسكان ريف دير الزور الغربي، وحصل ذلك قبل اقتراب المعارك من مناطقهم، بسبب موجة القصف التي طالتها، لتأتي المعارك الميدانية بعيد ذلك مخلفة مجازر يومية طالت العشرات من المدنيين.
مدنيو ريف دير الزور، لم يجدوا أمامهم مخيمات تستقبلهم كما حصل مع أقرانهم في مناطق سورية وعراقية أخرى، وبقي العراء المكان الوحيد لهم، دون أي يقيهم ذلك من خطر الموت قصفاً من الطيران الحربي، وفي بعض الأحيان من الألغام التي حصدت الكثيرين، ممن أرادوا الهروب إلى خارج المناطق الخاضعة لتنظيم داعش.
“فرات بوست” عبر شهود عيان ومراسليها المتواجدين على الأرض، حاولت وضع الجانب الإنساني في تغطيتها الميدانية بالتوازي مع يجري ميدانياً، ووثقت مقتل العشرات وإصابة عدد آخر، أغلبهم من النساء والأطفال.
إضافة إلى الموت عبر القصف اليومي المتزامن مع المعارك، خلفت قوات النظام والميليشيات مجازر بحق المدنيين عرف منها ما حصل في بلدة مراط، عند قتلت 13 شخصاً بينهم عائلة قبل انسحابها من تلك المناطق أثناء معارك الكر والفر فيها، هذا عدا عن حالات الاختفاء والمصير المجهول لعدد من المدنيين، والذين قطعت أخبارهم سواء أثناء عملية النزوح، أو داخل قراهم وبلداتهم.
آخر المعلومات التي وصلتنا اليوم الجمعة، تؤكد سماح قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها لعدد من عائلات قرى الشميطة وعياش والخريطة بالعودة إلى منازلها، لكن “التعفيش” كان سيد الموقف وفق ما ذكره مراسل “فرات بوست” وشهود عيان، مشيرين إلى هذه الظاهرة طالت أولاً منازل عناصر داعش وأسرهم، دون أن تسلم ممتلكات منازل المدنيين منها.
وبحسب المعلومات، فإن قوات النظام والميليشيات قامت بسرقة ممتلكات المدنيين في قرى الريف الغربي التي سيطرت عليها مؤخراً، وشوهدت سيارات عناصر النظام وهي تحمل أثاث مسروق من برادات وغسالات ومكيفات ودراجات نارية وتلفزيونات واسطوانات غاز ومولدات كهربائية ومحركات المياه المنزلية والزراعية، وحتى أشرطة الكهرباء وسخانات الحمامات طالتها السرقة.
المفارقة هنا، أن المكسب الأساسي من سياسة “التعفيش” التي اتبعها عناصر النظام وميليشياته، هي الثروة الحيوانية التي قاموا بسوقها إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام داخل دير الزور (الجورة والقصور خاصة)، ليقوموا ببيع البعض منها إلى محلات القصابة وبأثمان مختلفة.
نهج “التعفيش” من الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت بحق المدنيين في ريف دير الزور، وستبقى تأثيراتها السلبية على مدار أشهر وربما سنوات، وبشكل أكبر من تأثيرات “التعفيش” المرتبكة بحق المدنيين في المدن السورية الأخرى، والسبب أن الكثير من سكان هذه المناطق اعتمادهم الأساسي على الثروة الحيوانية، دون وجود أي مورد مادي آخر يعينه (الراتب مثلاً)، وهذه التأثيرات ستلاحقهم سواء بقوا نازحين خارج مناطقهم، أو عند عودتهم إليها يوماً منها، مع مخافة أن تخفي لهم الأيام القادمة المزيد من الانتهاكات والجرائم، ربما لم يعلم بها أحد، ولن يحاسب فاعلها، إلا إذا عمدت إحدى الأطراف المتصارعة إلى استخدامها في دعايتها السياسية والإعلامية، كما حصل سابقاً، وكما هو متوقع لاحقاً.