تصاعدت الأحداث الميدانية في الشمال السوري بشكل كبير خلال الساعات الـ48 الماضية، مع التقدم المستمر والسريع لقوات النظام وميليشياته والقصف الجوي الروسي، وسط تصاعد في حركة نزوح المدنيين باتجاه الحدود، رافقه ارتفاع حدة الانتقادات للموقف التركي تجاه ما يحصل.
الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” اليوم الأربعاء، وجه تهديدات مباشرة لنظام الأسد، وانتقادات لروسيا، مطالباً قوات النظام بالانسحاب من محيط النقاط التركية في المنطقة، ولاقت تصريحاته انتقادات وردود وفعل واسعة من سوريين، وسط شكوك كبيرة من قبلهم في تنفيذ “أردوغان” لتهديداته.
الأسئلة التي طرحها العديد من السوريين في تعليقهم على ما يجري وكلام الرئيس التركي، تركزت في عدم الوثوق بمن يغلق حدوده أمام مئات الآلاف من النازحين والمهجرين ويتركهم في العراء، ناهيك عن التذكير بتهديدات سابقة وخطوط حمر عديدة وضعها “أردوغان” ذاته في مضى، من قبيل حماة خط أحمر، وبعدها حلب.
لكن بالمقابل، هناك من رأى بوجود جديد بخطاب الرئيس التركي، تجعلنا نفكر بإمكانية جدية تهديداته هذه المرة، وإمكانية تأثيرها على الواقع الميداني مستقبلاً، ومن ذلك ما كتبه الصحفي السوري حسام محمد، مشيراً إلى أنه في تصريحات الرئيس التركي الأخيرة، عدة جوانب مهمة لا بد من تسليط الضوء عليها، ومن أهمها:
أولاً: التوقيت: تأتي التصريحات بوقت حرج للغاية لنا كسوريين، وكذلك لتركيا، بالنسبة للثورة فهذه أخطر مراحلها وأكثرها مصيرية لحاضرنا ومستقبلنا، أما بالنسبة لتركيا، فهذه المرحلة حساسة للغاية، بعد الاستخفاف بمواقفها “إن صح التعبير” من قبل روسيا والنظام، وعدم الإكتراث بمواقفها وتفاهماتها مع الروس.
ثانياً: تركيا اليوم تنشط خارج حدودها عسكرياً واقتصادياً، في المتوسط – ليبيا – إفريقيا، وخسارتها في إحدى الجبهات يعني احتمال الهزيمة بأماكن أخرى سيصبح العمل عليه أكثر، ومن هنا، يمكننا القول بأن تركيا لا ترغب بالانكسار، وفي ذات الوقت تقرع طبول الحرب ليس بهدف دخولها، وإنما بهدف تجنبها، وإن لم تنجح فخيارات أخرى للحرب ستتولد لديها.
ثالثاً: بعد اجتماع فيدان – مملوك، (اجتماع فاشل وعدواني)، شاهدنا موالاة روسية صريحة للنظام وتأييد إيراني ضد تركيا وتواجدها في سوريا، ومع مشاركة الميليشيات الإيرانية في الحرب، تصاعدت المخاوف الأوروبية والأمريكية، وهذا لعله ما سارع عملية التقارب التركي مع أوروبا وأمريكا، والتلويح بالناتو.
رابعاً: هيبة تركيا مرهونة بأعمالها قبل أقوالها، وما تزال أنقرة تعتمد سياسة التفاهمات والضغوط فقط، وتتجنب التصعيد إلا في حالات معينة كما كان بالتطور الأخير في إدلب، لكن إن وصلت الأمور إلى هيبة الدولة التركية، فإن الكثير من التطورات ستتغير.
خامساً: تركيا خلال الأشهر الماضية، تحركت وفق قدراتها التي لا تجلب التعقيد لها داخلياً وخارجياً، وكانت تثق بالروس بشكل أعمى، لكنها استيقظت متأخرة على مطبات لم تكن تحتسبها، وهذا ربما يفسر مسارعتها لمضاعفة نقاط المراقبة في سوريا، ونشر أكبر عدد ممكن من القوات، وكذلك الزخم الإعلامي لتصريحات إداراتها.
سادساً: كل الأبواب مشرعة اليوم، وكل الاحتمالات واردة، والرهان اليوم في الحلبة السياسية، فهو المفصل. فشله يعني التصعيد قادم، والتسويف سيزيد الشقاق التركي الروسي.
في هذا الإطار، عبد الوهاب عاصي الباحث في مركز جسور للدراسات، توقع عدم استجابة روسيا وإيران لتهديدات تركيا، بل ستأخذان المهلة كفرصة لمحاولة السيطرة على كامل المنطقة الممتدة على شرق الطريق الدولي بين دمشق وحلب (M-5)، إضافة لشمال وغرب حلب. وكذلك المدن الواقعة على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية (M-4)؛ بما يؤدي لحصار جبلي الزاوية والأربعين.
وأشار في هذا المجال، إلى أنّ روسيا تعوّل على صياغة واقع ميداني جديد ومن ثم إعادة احتواء تركيا في إطار رؤيتها وليس ما تدفع تركيا باتجاهه، متسائلاً: “هل سوف تقوم تركيا بتنفيذ إجراءات أخرى لحين انتهاء المهلة التي حددتها في حال استمرار روسيا وإيران بتحدي واختبار جديتها وعزمها”.