فرات بوست: أخبار | تقارير
على الرغم من الوعود التي أطلقتها الحكومة الجديدة بتسهيل حياة المواطنين، لا يزال ملايين السوريين في الداخل والخارج يواجهون كابوساً بيروقراطياً في إنجاز أبسط معاملاتهم المدنية. فمن تثبيت زواج إلى تسجيل مولود جديد، أو حتى الحصول على جواز سفر، تبدو رحلة إثبات الحقوق الرسمية محفوفة بالعقبات المالية والقانونية الموروثة من النظام السابق، والتي لم يتم حلها بشكل جذري حتى الآن.
على مدى سنوات، تحولت دوائر الأحوال المدنية في عهد نظام الأسد إلى أدوات للاستغلال والابتزاز. عانى السوريون، خاصة المعارضين أو سكان المناطق الخارجة عن سيطرته، من صعوبات جمة في تسجيل وقائعهم المدنية. الخوف من الاعتقال عند مراجعة الدوائر الرسمية، أو الوقوع ضحية للتزوير والرشاوى، دفع مئات الآلاف إلى العيش في الظل، بلا وثائق رسمية لأطفالهم أو لزيجاتهم، مما خلق فجوة قانونية هائلة تهدد مستقبل جيل كامل.
إصلاحات منقوصة وغرامات باقية
عقب سقوط نظام الأسد، استبشر السوريون خيراً بإعلان الحكومة الجديدة نيتها تسهيل الإجراءات وتخفيض الرسوم الباهظة. وبالفعل، شهدت إجراءات استخراج جوازات السفر تحسناً ملحوظاً، حيث انخفضت تكلفة الجواز المستعجل من 800 إلى 400 دولار، والعادي من 400 إلى 200 دولار، مع زيادة مدة الصلاحية.
لكن هذا التحسين لم ينسحب على بقية الملفات الشائكة. المفارقة الصادمة تمثلت في استمرار الحكومة بفرض “غرامة التأخير” على تسجيل المواليد الجدد، وهي نفس الغرامة التي كان يفرضها النظام السابق وتتراوح بين 50 و100 دولار عن كل طفل. هذا الإجراء يتجاهل تماماً الظروف القاهرة التي منعت الأهالي من التسجيل لسنوات.
قصص من الواقع: أطفال بلا هوية
“خالد الأحمد”، وهو اسم مستعار لأب من مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي، يجسد مأساة الكثيرين. يقول خالد: “لم أزر مناطق سيطرة النظام منذ أكثر من 10 سنوات خوفاً من الاعتقال أو التجنيد الإجباري. خلال هذه الفترة، رُزقت بأربعة أطفال، جميعهم غير مسجلين في السجلات المدنية حتى اليوم”.
يعمل خالد على بسطة متواضعة لبيع المحروقات، وبالكاد يؤمن قوت يومه. يضيف بحسرة: “كيف لي أن أدفع غرامة قد تصل إلى 400 دولار عن أطفالي الأربعة، أي ما يعادل 4 إلى 5 ملايين ليرة سورية، بينما دخلي اليومي لا يتجاوز 30 ألف ليرة؟”.
قصة خالد ليست فردية، بل هي عينة من معاناة آلاف الأسر التي تجد نفسها عاجزة عن منح أطفالها هويتهم الرسمية بسبب الظروف التي مروا بها خلال سنوات الحرب في سوريا.
وحتى في ملف جوازات السفر الذي شهد تحسناً، عادت الإجراءات لتثير الجدل. فقد أصدرت إدارة الهجرة والجوازات خلال شهر تشرين الثاني الحالي تعميماً جديداً يربط مدة صلاحية الجواز بطريقة مغادرة المواطن للبلاد. فمن غادر بطريقة نظامية يحصل على جواز بصلاحية ست سنوات، أما من غادر “بطريقة غير نظامية” – وهم الشريحة الأكبر من اللاجئين والمهجرين – فيُمنح جوازاً بصلاحية سنتين ونصف فقط.
أثار هذا القرار استياءً واسعاً، حيث اعتبره السوريون إجراءً عقابياً غير منصف، يتجاهل حقيقة أن معظم من غادروا البلاد فعلوا ذلك هرباً من الملاحقات الأمنية أو الخدمة العسكرية أو التقارير الكيدية، ولم يكن أمامهم خيار سوى الخروج بطرق غير شرعية.
في المحصلة، يبدو أن طريق السوريين نحو استعادة حقوقهم المدنية بالكامل لا يزال طويلاً. فبينما تم اتخاذ خطوات إيجابية، بقيت العديد من القوانين والإجراءات الإشكالية قائمة، لتستمر معاناة المواطنين الذين يأملون في طي صفحة الماضي وبدء حياة طبيعية ومستقرة.
إعداد وتحرير: مؤيد الحسين

