هل تسمعون هذا الصمت؟!

by admindiaa

 

*أحمد بغدادي

 “الجماهير التي تثغو في أوروبا الآن، شبيهة إلى حدٍّ ما بتلك النعاج الخرساء في الوطن العربي” 

***

أخذت معظم وسائل الإعلام العربية (الخليجية) والغربية بتوجيه “ماكيناتها” الإعلامية نحو الأحداث الجارية في فرنسا منذ فترة وجيزة، وأخبار قمّة العشرين المنعقدة في الأرجنتين ونتائجها، وحيثيات “منتدى الدوحة 2018″،  إضافةً إلى خبر وفاة مجرم الحرب “بوش الأب”، الذي تسبّب بمقتل أكثر من أربعة آلاف “بنمي” وحرقهم بمواد مشتعلة جرّاء غزو الولايات المتحدة الأمريكية بقيادته لـ “بنما” عام 1989، وهلاك آلاف العراقيين أثناء وبعد حرب الخليج الثانية (درع الصحراء) عام  1991، المؤلفة من تحالف 38 دولة، 70 % منهم جنود أمريكان، بذريعة تحرير الكويت، التي  قامت الأخيرة بنشر صورة ” الفقيد بوش الأب” على أبراجها، تأبيناً له، و (تمجيداً لبطولاته)، المتمثّلة بإلقاء”أكثر من مائة ألف طن من المتفجرات على العراق بما في ذلك مئات الأطنان من ذخائر اليورانيوم المنضب” .. آنذاك!

إذن، فالاحتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات في فرنسا وأخبار وفاة المجرمين، وبتر ثدي راقصة أو زوجة دكتاتور، أو فنانة عالمية جراء مرض خبيث، تعتبر ذات أهمية بالغة لدى الإعلام العربي بشكل خاص، أكثر من أخبار مقتل آلاف السوريين من الأطفال والنساء، وخاصةً في دير الزور وإدلب خلال الوقت الراهن!

وقد أصبحت أيضاً أخبار ” محمد بن سلمان” تتقافز أمامنا عبر شاشات التلفزة والقنوات الإخبارية والإذاعات، مثل الجراد!  كأن هذا الأخير (مهدي السعودية المنتظر) أصبحت سيرته شبيهة “بوباء فتّاك”، أو “سيرك متنقل”، الكل يتحدّث عنه، والجميع يتابع أخباره؛ (ذهب بن سلمان، عاد منشار بن سلمان، عطسَ بن سلمان، أكل بن سلمان سندويشة همبرغر مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، تقيّأ بن سلمان إلخ)؛ إضافةً إلى ذلك، الكمّ الهائل من التقارير والنشرات الإخبارية والتحليلات الإعلامية والسياسية، والتفاسير الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة) حول قضية مقتل “جمال خاشقجي”، الصادرة عن قنوات إخبارية عربية، التي أصبحت بدورها، _ أي القنوات_ منبراً “خاصّاً” بالــ”خاشقجي” على مدار 24 ساعة!

ومن المضحك المبكي، تصريح المفوضة الأممية لحقوق الإنسان “ميشيل باشليه” منذ أيام، حول قضية اغتيال جمال خاشقجي ” أنّ لا بدّ من محاسبة المسؤولين عن عملية القتل البشعة هذه”.

نعم، نحن مع محاسبة هؤلاء المجرمين وإحالتهم إلى القضاء؛ لكن، هل فات “باشيله” ملايين الأبرياء الذين قتلوا في سورية واليمن والعراق والسودان وفلسطين؟

وإلى الآن، الذين ارتكبوا هذه الجرائم والانتهاكات مازالوا طلقاء! دون محاسبة، أو نيّة لذلك، وهم يصولون ويجولون بحريّة عبر مطارات الدول العربية والغربية، أو طائرات الشحن الروسية!

هنا، نحن لم ولن نقلّل من قيمة القضية الإنسانية المتعلّقة باغتيال الصحافي جمال خاشقجي، إنما، هل من المعقول أن تستحيل هذه القضية إلى رأي عالمي بهذا الزخم والمزاج الإعلامي، والتضخيم؟ وتُستغل من قبل جهات معيّنة، موتورة، لأخذ (الثأر) أو النيل من طرفٍ ما ؟!  وأمام أعين العالم قاطبةً، جهاراً نهاراً، كل يوم يسقط عشرات السوريين، وتفتك بغيرهم آلة الحرب الأسدية والروسية، وصولاً إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم، علاوة على الحقد الطائفي المسموم من قبل إيران وميليشياتها، التي ما انفكّت تقتل وترتكب المجازر بحق السوريين (السنّة)، دون رادع من (مناصري الثورة)، أو من أية قوى عالمية تدّعي الوقوف إلى جانب حقوق الإنسان، وحماية المدنيين العزّل من أي عمل عسكري بحسب القوانين الدولية و”اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949″.

يبدو أنّ سياسات (إلهاء الجماهير) قائمة على قدمٍ وساق! وعلى ذلك، يرى الطبيب والمؤرّخ الفرنسي ” غوستاف لو بون” ضمن كتابه الشهير _سيكولوجية الجماهير_ ” أنّ مخيلة الجماهير تتأثر بالصور على نحو مباشر، وبشكل عاطفي، إضافةً إلى استخدام الكلمات والعبارات المناسبة معها، بطريقة ذكية وصائبة، وخاصةً إذا ما استخدمت بفنية عالية ولبقة، حينها تكون قوة سرية تأثّر لا إرادياً على الأذهان، وتحفّز لدى المتلقي رغبة الانقياد وراء الحدث وتصديقه، وبهذا، تكون هناك ضحايا من الجماهير، تم تهييجها بالكلمات والعبارات والأخبار المركبة بشكل دقيق”.

هكذا تعمل أغلب وسائل الإعلام، الغربية والعربية، فهي ليست فقط وسائل لنقل الأخبار والأحداث، إنما تعتبر عاملاً نفسياً مؤثراً على الجماهير، بحسب (سياساتها)، شأنها شأن أي طبيب في علم النفس بمقدوره التأثير في سلوك الآخرين.

فهل أصبحت أخبار مئات ألوف السوريين والضحايا في الداخل والخارج عبارة مادة يتناولها المذيع بسرعة أو تمر خلال الشريط الإخباري للقناة، مثل أي خبر عادي، في أستراليا مثلاً: حول إمكانية انقراض حيوان الكنغر ؟!

لقد كنا نحن السوريين في بداية الثورة نتصدّر كل الأخبار، ونحتل الوقت الأكثر لجميع القنوات الإخبارية، إلى وصلت هذه القنوات إلى مآربها، ووصل المعنيون بها إلى غاياتهم في التجييش وتحوير الحقائق أو تضخيمها أو التقليل من شأنها!؛ وقد يقول البعض من الناس إنّ هذه الوسائل تعمل لصالح بلادها، نعم، هي تعمل لصالح الطغاة، وليست مستقلة، ولا حيادية كما تدّعي. وأكاد أجزم، أنّه لا توجد وسيلة إعلامية حرّة في الوطن العربي، مرئية كانت أم مكتوبة أو مسموعة، فهي جميعها تابعة لسياسات معيّنة، وهنالك وسائل إعلام غريبة شبيهة بها، اختصاصها التحريف وتشويه الحقائق؛ فمن منّا لم يسمع بالتاريخ المزوّر؟

نحن الآن نعيش حاضراً مزوّراً أيها السادة، سيصبح تاريخاً مزوراً، وليس لدينا أمل سوى بالمستقبل، الذي لربما تستطيع الأجيال القادمة، الحرّة، المحافظة على نظافته، كي لا يستحيل إلى بهتانٍ وزيف، بين طياته آلاف المآسي المتعلّقة بملايين الأبرياء.    

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy