من باريس إلى “السومرية”.. رحلة تقاعد رفعت الأسد!

by admindiaa

 

رأي | أحمد بغدادي

لم يخشَ السوريون تلك الأخبار الصادمة التي قد تفاجئ شعوباً لم تذق ما ذاقه الشعب السوري من ويلات وكوارث، خلال العقد المنصرم، على يد نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس. فالنوائب الفظيعة التي حلّت في سوريا، بسبب إجرام “آل الأسد” طيلة خمسين عاماً، وبالأخص عقب عام 2011، كانت كفيلة بعدم اكتراث السوريين (حالياً) إن “نُفخَ في الصُّور”- إذا جاز التعبير، أو قررت أمريكا “التي تمسك بلجام العالم”، أن تقتحم القصر الجمهوري في دمشق، وتشدّ بشار الأسد من أذنيه، ليُركلَ خارج سوريا! ذلك لأن أغلبية الشعب السوري قد تجرّعت الموت، وشهدت الدمار، والتشريد، والخذلان، والعذاب بكل تفاصيله وحيثياته.. وعليه؛ إنَّ فقدان الأبناء والآباء، والأمهات، لا يعوضه قرار خجول من مجلس الأمن بما يخص تقديم المساعدات الإنسانية، ولا حتى تصريحات المسؤولين الغربيين و”العرب” التي تمحورت حول الاستنكار والشجب، أمام المقتلة السورية!

منذ أن قفز حافظ الأسد نحو السلطة في سوريا بنهاية عام 1971، بشكل غير شرعي، وبطريقة دموية ضد رفاق دربه في حزب البعث، وعلى حساب كرامة وحرية السوريين، تعاقبت الكوارث على البلاد، بل إن الجرائم بأشكالها، ومنها الاقتصادية، صارت ترتكب بلا رقيب ولا محاسب، وبدفع وتستّر من قبل المسؤولين في النظام السوري، وبتوجيه من الدكتاتور حافظ الأسد، ولاحقاً وريثه بشار، وتحت أنظار المجتمع الدولي وجماعات حقوق الإنسان!

وما يأخذنا إلى تصنيف هذه الجرائم، بأنها من أخطر الجرائم في التاريخ المعاصر، هو أنّ هذا النظام البوليسي، مع أزلامه، لم يتورّع عن فعل أي شيء لزيادة رصيده السياسي والاقتصادي، ضارباً عُرض الحائط كافة النواميس والقوانين، ومتجاهلاً معاناة ملايين السوريين من بطشه وسياساته القمعية؛ نعم ” كانت ذرائعه دائماً إن هناك تنظيماً إرهابياً إسلامياً يخرّب في سوريا“. من هنا بدأت الحكاية المؤلمة في نهاية السبعينيات، وضُبطَ الإيقاع نحو تصفية وإقصاء الأصوات الحرّة، والنُخب السياسية التي تطالب بكرامة السوريين، باستخدام أذرع مسلّحة ومدرّبة تدريباً عالياً كـ “سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد، وأمنية تتمثّل في أجهزة المخابرات السورية، وأشهرها العسكرية والجوية.

لم يكتفِ ـ رفعت الأسد خلال مطلع الثمانينيات، بمصادرة العديد من الأراضي التابعة لمدن الساحل السوري، وخاصةً في قريتي برج سلام والشبطلية” السياحيتين، حيث كان يدير هناك ميناءً تجارياً، علاوة على امتلاكه لأبنية فارهة في اللاذقية، وقصرٍ في مسقط رأسه القرداحة، حيث  كانت هذه الممتلكات مقراتٍ ترفيهية له ولأتباعه المقربين، من حرسّه، أو أصدقائه الخليجيين، فاستولى على أراضٍ زراعية كانت تتبع لأهالي المعضمية في ريف دمشق (الغوطة الغربية)، وأجبر أصحابها على المغادرة، قسراً، دون أي تعويض، ليهندسَ فوقها أبنية لضبّاط سرايا الدفاع التي كان يقودها آنذاك؛ أُطلقَ على تلك المنطقة اسم “مساكن السومرية“، تيمّناً باسم ابنه سومر، وتستوعب هذه المساكن أكثر من خمسين ألف ضابط وصف ضابط، مع عوائلهم، أغلبهم من صبغة مذهبية واحدة، ويتجذّر ويمتد ولاؤهم فقط للقائد (رفعت الأسد)، حيث إن سرايا الدفاع تعتبر جيشاً رديفاً لا يرتبط بما يسمى “الجيش السوري”، وعناصر السرايا متمردون حتى على أجهزة المخابرات السورية التي تتصف بقسوتها، وانصياعها التام حرفياً لأوامر حافظ الأسد، لكن الأخير، لم يستطع أن يثني “جبروت” هذه القوة العسكرية، بل كان يتجاهل أفعال عناصرها المشينة ضد المدنيين، وبحق كبار ضباط الجيش والأمن، تودّداً لشقيقه رفعت، الذي أوكله بمهام إجرامية خطيرة، كانت أفظعها مجزرة حماه في 2 شباط من عام 1982، مبرراً ذلك فيما بعد أن جماعة الإخوان المسلمين يقومون باغتيالات وعمليات تخريبية طالت مدناً سورية وأبرياء!

تم اقتحام مدينة حماه بعد حصار دام 27 يوماً تخلله قصف مكثّف، من قبل سرايا الدفاع بمساندة قوى رديفة عسكرية وأمنية، نكلوا وقتها بالأهالي وقاموا بإعدامات ميدانية طالت الأطفال والنساء الحوامل، والشيوخ والشباب، وكانت حصيلة المجزرة بحسب شهود من أبناء المدينة ومراكز توثيق حيادية، أكثر من 40 ألف قتيل، مع تدمير البنى التحتية والكنائس والمدارس والجوامع، إضافةً إلى اعتقال مئات الشباب، الذين ما زالوا حتى الآن في عداد المغيبين!

أما عن مجزرة سجن تدمر في 27 حزيران من عام 1980، التي جاءت مجزرة حماه امتداداً لها، وذلك على خلفية محاولة اغتيال حافظ الأسد الفاشلة، قبل بيوم، عندما كان يودّع الرئيس النيجيري “حسين كونتشي”، حيث قام مجند في الشرطة العسكرية، مكلفاً مع زملائه بحراسة قصر الضيافة، واسمه “عبد الحميد الدامور” بإلقاء قنبلتين يدويتين على حافظ الأسد، ليفتديه وقتها أحد مرافقيه ويتمزق على الفور، ويصاب الأسد بجروح في ساقيه وصدره، ليقوم رفعت الأسد  في اليوم التالي بصب جام غضبه على معتقلي سجن تدمر الصحراوي، عندما كلّف صهره الرائد معين ناصيف قائد الفوج 40 في سرايا الدفاع، بتنفيذ المجزرة عبر تسع مروحيات تحمل عشرات الجنود، توجّهت من مطار المزة العسكري في دمشق إلى سجن تدمر، ليقوموا بقتل ما يقرب من 1000 (ألف) معتقل أغلبهم من تنظيم الإخوان المسلمين؛ بالرصاص والقنابل اليدوية، وقاذفات اللهب، في الزنازين أو من خلال تجميعهم في باحات السجن وإعدامهم بشكل مباشر!

رغم الدعاوى المقدّمة ضد رفعت الأسد في فرنسا وإسبانيا، ومعرفة القضاء في الاتحاد الأوروبي بمدى خطورة هذا المجرم، إلا أنّ الجميع استساغ الخطاب المعهود، المتمثل في إدانة رفعت بقضايا تهرّب ضريبي واختلاس أموال “الدولة السورية” بعد لجوئه إلى فرنسا -مع عشرات المرافقين والمقربين إليه– وجرائم اقتصادية تتقدّمها جريمة غسيل الأموال، وقد تغاضوا عن جرائمه الشنيعة والمجازر التي ارتكبها في سوريا إبان سلطته المُطلقة في حقبة الثمانينيات! وما يضعنا أمام سؤال مشروع نحن السوريين نوجهه برسم دول “القضاء النزيه” في أوروبا، نقول فيه: – كيف غادر رفعت الأسد فرنسا على مرأى من أعين السلطات الأمنية والعالم دون أي إجراء قضائي بحقه؟!

يبدو أن دول الغرب، الفاعلة في القرارات المصيرية لشعوب الشرق الأدنى، وعلى رأسها أمريكا، تسعى إلى كسر إرادة السوريين، عبر تجاهل كل الجرائم المرتكبة بحقهم، من قبل ما يسمى “رئيس سوريا” بشار الأسد… بل إن هذه الدول تعمل بجدّية لإبقاء هذا الأنظمة الدكتاتورية، ومنها نظام الأسد، لاعتبارات عديدة، أغلبها اقتصادية وسياسية، عدا عن الجانب الأيديولوجي، مع تمرير بعض اللكمات الخفيفة لمن يحاول الخروج عن السرب بتشجيع روسي أو صيني؛ من هنا، نستطيع القول إن عودة رفعت الأسد إلى “حضن ابن شقيقه” لم تكن مجرد تفاهمات روسية فرنسية، أو صفقة كما يرجّح الكثيرون ذلك، إنما هذه العودة هي عبارة عن طعنة جديدة في خاصرة السوريين والثورة، تفضي وبكل وقاحة إلى أنه لا صوت يعلو في حضرة اللاعبين الكبار ومافيا الكرة الأرضية التي تضع أقنعة المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، والجمعية العامة لديها، ومجلس الأمن، ومنظمات حقوق الإنسان.. وهذا أمر خبره السوريون وحفظوه!

  • اليوم، اختفى رفعت عن الساحة الإعلامية، بل إن الموجة “الفيسبوكية”، وغيرها في وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بركة راكدة، علاوة على تغييب قضية عودته إلى سورية في القنوات الإخبارية العربية والغربية، وهذا ما يفضي كالعادة ” جرعات إعلامية مكثّفة للشعوب، ومن ثم يخرجون بحادثة ما، تكون ملهاة مؤقتة عن القضية السابقة“. ونحن كشعوب عربية وإسلامية، ننقاد وراء الأحداث الساخنة، مثل قضية الموز حالياً، أو تصريحات جورج قرداحي؛ غداً، سوف يصنعون حدثاً ما (وهم الأوصياء على دمائنا-الصهاينة) الذين يمسكون بناصية الإعلام العالمي، عقبها، ننجرّ كالعادة إلى السجالات والصريخ والعويل على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما الحوادث الكبرى، مثل القتل في سوريا، الذي لم ينتهِ أو يتوقف، مغيب بشكل متقصد، على حساب ظواهر أو قضايا تافهة!

نهايةً.. كما أسلفنا في البداية، لم يعد الشعب السوري يكترث أو يندهش بقرارات جديدة تخصّ سوريا، فحصة الأسد قد أكلها الأسد، وإن عاد رفعت إلى القرداحة أو قام حافظ الأسد من قبره، ذاك سيان! لقد تدمّرت البلاد بأسرها، وقد نحتاج إلى مئات السنين لترميم الأرواح فقط، وليس الوطن والحجارة!


 

 

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy