*فرات بوست: تقارير ومتابعات
ترجمات فريق العمل ـ المصدر”Middle East Eye”
مع متابعة المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، قد يكون من المغري الاستنتاج أن الوضع الاستراتيجي “لإسرائيل” قد “تحسن”. يمكن القول الشيء نفسه عن تركيا.
هل يمكن أن تشكل هذه الحالة وصفة للاستقرار، أم تسبق مزيدًا من المشاكل في المستقبل؟ على الرغم من الانخراط في صراع على جبهات متعددة – غزة، الضفة الغربية المحتلة، لبنان، سوريا، اليمن، وإيران – يبدو أن إسرائيل قد انتصرت في الوقت الحالي، بينما يبدو أن “محور المقاومة” الذي تقوده طهران في حالة من الفوضى.
تضررت القيادة العسكرية الإيرانية وبنيتها التحتية بشدة خلال حرب حزيران، والتي ألحقت أيضًا أضرارًا بالبرنامج النووي الإيراني، على الرغم من أن مدى التراجع لا يزال غير واضح. كان الرد الإيراني خافتًا بعد أن قصفت الولايات المتحدة مواقع “فوردو ونطنز وأصفهان النووية” في 22 حزيران.
في هذه الأثناء، يحكم سوريا الآن مقاتل سابق في “تنظيم القاعدة“، طمست الديمقراطيات الغربية سمعته بسرعة قياسية. أُلقيت عقود من التعبئة الأمريكية والأوروبية ضد الجماعات المتطرفة مثل “تنظيم الدولة” (داعش) و”هيئة تحرير الشام“ في سلة المهملات في غضون أيام، مما أكد ازدواجية المعايير الغربية.
وهكذا، انقطع الطريق اللوجستي الرئيسي لإيران لدعم “حزب الله“ في لبنان. أما الحركة اللبنانية نفسها، فقد ضعفت بشدة بفقدان زعيمها “حسن نصر الله” وشخصيات بارزة أخرى. وهي الآن تحت ضغط شديد، داخليًا ودوليًا، للتخلي عن ترسانتها العسكرية.
وفي الوقت نفسه، أدت وحشية إسرائيل في غزة، التي تحولت إلى ساحة قتل جماعي بينما يصطف المدنيون الجائعون في طوابير لتلقي مساعدات إنسانية محدودة، إلى تراجع كبير في الدعم الدولي لها. لكن حكومة إسرائيل المتطرفة لا تكترث حقًا برأي العالم، طالما استمرت الدول الغربية في تقديم الدعم (وظلت دول أخرى، مثل روسيا والصين، محايدة لسبب غير مفهوم).
«ضربات غير مبررة»
أما بالنسبة لتركيا، فقد نجح الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخرًا في تحييد التهديد الأمني الرئيسي على طول حدودها الجنوبية الشرقية، وهو “حزب العمال الكردستاني.“
كما نجحت في تحقيق هدفها الذي طال انتظاره، وهو إزاحة بشار الأسد من السلطة في سوريا، واستبداله بأحمد الشرع. وأخيرًا وليس آخرًا، عززت أنقرة سمعتها العالمية كوسيط موثوق في الحرب الروسية الأوكرانية.
*مواد ذات صلة:
“إسرائيل” تسعى إلى إضعاف سوريا من خلال دعم الدروز
إلى جانب “إسرائيل”، أصبحت تركيا طرفًا إقليميًا رئيسيًا. في هذا السياق، لا بد لأي مسار نحو الاستقرار في مثل هذا الوضع المتقلب أن يشمل حتمًا كلًا من إسرائيل وتركيا – وكلاهما مستعد لصد الضغوط الأمريكية، بطرق لا يحلم بها سوى قلة من حلفاء أمريكا الآخرين.
قد تُصبح سوريا أحد أهم اختبارات الضغط لهذه الديناميكية. في الشهر الماضي، شنّت إسرائيل غارات جوية على مواقع للنظام السوري وسط اشتباكات بين الدروز والبدو في جنوب سوريا. وبينما صرّحت إسرائيل بأن هدفها هو “حماية الدروز“، يبدو أن سياستها الفعلية تُركّز على نزع سلاح المنطقة جنوب دمشق لتوسيع “منطقتها العازلة“.
- هذا ناهيك عن كيف شنّت إسرائيل، في أعقاب انهيار الأسد مباشرةً، سلسلة من الغارات الجوية غير المبررة على سوريا، مُدمرةً البنية التحتية العسكرية للدولة – في ظل الصمت المُطبق المُعتاد للديمقراطيات الغربية.
أعربت المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا ودول إقليمية أخرى عن دعمها لوحدة سوريا، بينما حذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من أن تركيا قد تتدخل إذا حاولت جماعات انفصالية – مثل الدروز، الذين تعتبرهم أنقرة عملاءً لإسرائيل – تقسيم سوريا وزعزعة استقرارها.
وكانت هناك أيضًا تكهنات بأن إسرائيل قد تُحاول إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 مع سوريا، بحثًا عن ترتيب أمني جديد من شأنه أن يمنحها وجودًا خارج مرتفعات الجولان لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وفقًا لمصدر أمني إقليمي.
ونظراً للسهولة التي تتمكن بها إسرائيل من تحويل الفترات الانتقالية إلى فترات دائمة، فمن الطبيعي أن نتوقع أن تثير مثل هذه الخطوة مخاوف جدية في دمشق، وربما أنقرة أيضاً.
الشكوك عميقة. في الوقت نفسه، أثارت محاولة الحكومة السورية الأخيرة لإخضاع المناطق الدرزية مخاوف لدى “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) التي يقودها الأكراد، والتي تخشى أن تصبح في مثل هذا السيناريو الهدف التالي – على الرغم من أنها استفادت حتى الآن من الحماية الأمريكية.
في هذا السياق، لا تبدو تركيا مستعدة للدفاع عن الشرع، وليس من الواضح ما إذا كانت ستتمكن من التوصل إلى تسوية مع إسرائيل بشأن مناطق نفوذ متفق عليها.
*مواد شبيهة:
“إسرائيل” تسعى إلى اتفاقات “سلام” مع سوريا ولبنان
في حالة التقسيم الافتراضي، قد يقع الجزء الجنوبي من سوريا حتى ضواحي دمشق تحت النفوذ الإسرائيلي، بينما يقع الباقي – باستثناء معقل قسد شرق الفرات – تحت النفوذ التركي. في مثل هذا السيناريو، ستعتمد قسد على الدعم الأمريكي كحصن منيع ضد الهجمات التركية. أما كيفية تطبيق ذلك عمليًا، فهو سؤال مفتوح.
قد يُواجه الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة اختبار ضغطٍ كبيرٍ آخر قريبًا. يتمتع السفير الأمريكي في تركيا، توم باراك، وهو أمريكي من أصل لبناني، بميزةٍ كبيرةٍ في واشنطن: اتصالٌ مباشرٌ بالرئيس دونالد ترامب. وهو أيضًا المبعوث الخاص إلى سوريا، بتفويضٍ لضمان استقرار الوضع السياسي في لبنان. وهذا تفويضٌ واسعٌ لشخصيةٍ واحدةٍ في منطقةٍ شديدة التقلب، وهو إشارةٌ واضحةٌ إلى أن واشنطن قد تسعى إلى نهجٍ شامل.

جنود إسرائيليون يقومون بدورية على طول السياج الحدودي مع سوريا بالقرب من قرية مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، في 23 يوليو/تموز 2025 (جلاء مرعي/وكالة الصحافة الفرنسية)
ليس من المستغرب أن تتعمق الشكوك في تركيا بشأن النوايا الحقيقية لواشنطن. تعتقد أنقرة أن الولايات المتحدة ستُعطي إسرائيل الأولوية دائمًا في نهاية المطاف.
- لكن المستقبل لا يزال غامضًا. فهل تستطيع واشنطن كبح جماح اثنين من حلفائها الإقليميين الرئيسيين لتجنب سيناريو تكون فيه سوريا المنقسمة بشدة، والمتجاذبة في اتجاهات مختلفة بفعل مناطق نفوذ متنافسة، الشرارة التي تُشعل صراعًا كبيرًا آخر؟