صانعة “المحمرة” الديرية.. والجنرال عون

by admindiaa


امرأة تصنع المحمرة داخل منزلها، وإلى جانبها فرن كهربائي، وتبدو على ملامح وجهها السرور، تدعو أبناء مدينتها دير الزور إلى العودة، لأنه “ما في شي وكل شي زين”، ودليلها كان وجود الكهرباء، والأهم قدرتها على صناعة المحمرة وتناولها.
فيديو انتشر بقوة على مواصل التواصل الاجتماعي آثار جدلاً ما بين مؤيد لكلامها، ومتعاطفاً معها، وما بين رافضاً لموقفها، ومنهم من تطرف أكثر في موقفه، عبر اتهامها بـ”التشبيح” لمصلحة النظام.
بداية لست مع اتهامها بـ”التشبيح”، ألا أنه لا أعلم إن كان يحق لي تصنيفها ضمن نساء مدينتي البسيطات، صاحبات المواقف والتصرفات العفوية التي تنم عن طيبة، وهي تشبه الكثير من أخواتنا وأمهاتنا بغض النظر عن نوايا الفيديو وما تضمنه، لكنني أميل إلى الاعتقاد بوجود قناعة لدى هذه المرأة بكلامها، ربما ليس بدافع التأييد للأسد، وإنما قد يكون ناتجاً عن قناعات لديها، ربما يكون لمعاناتها من رحلات لجوء أو نزوح، دوراً في ذلك.
لا أعلم إن كانت هذه المرأة تسمح لي بمخاطبتها، وتقديم “الجواب” الذي اعتقد أنه يمثل الكثير من الرافضين لدعوة العودة، وأتمنى عليها احترامه، أسوة باحترامنا لرأيها، ورأي كل راغب بالعودة سواء إلى دير الزور أو غيرها.
أولاً: أريد أن أسالك: إذا قتل فلان شقيقك (لا قدر الله) بعد أن يكون قد أذاقه (القاتل) سوء العذاب، هل تستطيعين وصف قاتله بغير توصيف المجرم، وإن قدم لك هذا المجرم كل أساليب الترفيه ورغد العيش، ومن بينها ماء وكهرباء وقدرة على صنع “المحمرة”، هل بإمكانك نسيان أنه مجرم، أو يستحق تسمية أخرى غير هذه التسمية؟!.
إذاً: القضية ليست كما تتصورينها، وهي أكبر من قضية “محمرة وكهربا”، لذلك لن أعود الآن لكي لا أشاهد قاتل أخي أو أبي أو أمي أو ابني أو شقيقتي، وهو ينعم بحياته بل ويصول ويجول، ويتم تكريمه أيضاً، دون عدالة تأخذ حق الدماء التي أسالها هو أو أقرانه.
ثانياً: هل تستطيعين إنكار أنه إذا كان قامت مخابرات النظام باعتقال شقيقك أمام عينيك أو عيني والدك وأسرتك، أو إهانته وضربه أمامكم، فإنكم لن تستطيعوا فعل أي شيء، وهو ما يحصل مع غيرك من العائدين أو على الأقل سمعت عن الكثيرين مما حصل معهم ذلك.
لذلك نقول ونكرر: القضية ليست قضية “كهربا ومحمرا”.
أغلب من يطلق دعوات عودة اللاجئين السوريين، هدفه الدعم السياسي للأسد، ولإيهام نفسه والعالم بأن الناس خرجت ليست بسبب الأسد وقصفه وجرائمه، وعودتهم هي أكبر الأدلة التي يريد أن تتحقق ليبرهن على صحة إدعائه، وأنا لا أظنك من هؤلاء.
هل تستطيعين إنكار، أن لكثير من العائدين، عاد ورضي أن يكون “ممسحة الأرض”، لكنه لا يمل ولا يكل من تخوين من يخالف رغبات مستبعدهم، لذلك نرى أن الخائن هو من ارتضى هذا الواقع، أو رضي أن يبقى وينافق، وليس من خرج ويرفض العودة في ظل الواقع الحالي.
ثالثاً: هل تستطيعين إنكار أن اللص والمهرب والمزور وتجار الأعضاء البشرية وغيرهم حظوا بالمكانة التي لا نستطيع الوصول إليها، لأننا عاجزون بفضل الله، أن نكون مثلهم.
المشكلة، أن العرب رددوا سابقاً بيت الشاعر القائل: لا تسقِني ماء الحياة بذِلّةٍ .. بل فاسقِني بالعزّ كأسَ الحنظلِ، فكيف تريدين منا العودة لشرب كأس الحنظل بذلّةٍ؟!.
هل ترضين أن نعود لكي نبقى مهددين بالإعدام البطيء (السجن) أو الاغتيال المعنوي عندما لا نجاريه فيما يريد ويرغب، والذي قد يصل بنا إلى القتل العمد عن سابق إصرار وترصد.
إذا كنا قد افترضنا حسن النية لـ”صانعة المحمرة” بدعوتها إلى عودة اللاجئين، فإن على يقين بأن سوء النية هو أساس الدعوات التي أطلقها غيرها من شخصيات ومسؤولين عرب ودوليين، والتي تدأب منذ أشهر على الضغط على اللاجئين السوريين في شتى أنحاء العالم بزعم أن النظام انتصر، وبالتالي لم يعد هناك أي مبرر للجوئهم.
ولعل من أهم الشخصيات التي تحضر إلى ذهننا هنا، الرئيس اللبناني الجنرال عون، والذي نعتقد أنه الوحيد الذي لا يحق له الكلام في هذا السياق، كونه من أول الهاربين من “المنطقة الآمنة” التي أقامها جيش النظام في لبنان عام 1990، وهرب من هذا الجيش و”أمانه” لاجئاً إلى فرنسا مدة 15 عاماً، قبل أن يعود لبلاده عقب خروج النظام من لبنان (2005).
ومن هنا، فإنه من المخزي أن يكون عون من أكبر الداعين إلى عودة اللاجئين السوريين للمناطق التي أعاد جيش النظام سيطرته عليها، لزعمها أنها “مناطق آمنة”.
مشكلة الكثير من الناس، وليس “صانعة المحمرة” و”عون” فقط، أنهم لم يدركوا بعد مشكلة اللاجئين السوريين الحقيقية، حتى الشعوب والحكومات الأخرى تغفل أو تتغافل عن فهم ذلك، ومنهم للأسف من فهم أن مشكلة اللاجئين هي ماء وكهرباء وفقر حال.
كلنا نشاهد في هذا السياق ونسمع تعليقات شعوب تستنكر مثلاً وجود موبايل “ايفون” بيد لاجئ سوري هنا أو هناك، أو كيف أن امرأة لاجئة تلبس في يديها الذهب؟. وكأن السوري لجأ إلى بلادهم هارباً من فقر، وليس من حرب أو قصف أو اعتقال أو قتل على أي أطراف عدة، وعلى رأسهم النظام.
مشكلة السوريين في الداخل والخارج، أن جميع دول العالم قديماً وحديثاُ حكمها المجرم والطاغية، وربما السافل والذليل والعميل، أو الغبي والمريض النفسي، لكن لم يحدث أن حكمها من يحمل جميع هذه الصفات دفعة واحدة، فـ”هتلر” و”ستالين” وأمثالهم كانوا ديكتاتوريين، لكنهم لم يكونوا عملاء أو ذيول، بينما قدر لسوريا أن يحكمها ديكتاتور وعميل، استنجد بقطاع الطرق والمرتزقة وسلمهم الوطن، لينجو بنفسه.
ربما أعود عندما تكون هناك في سوريا دولة، وليست سلطة غاشمة دمّرت وألغت منطق الدولة، بمساعدة الكثيرين من أبناء جلدتنا للأسف، والذين على يقين بأنهم سيكونون يوماً ما أكثر منا حاجة إلى الدولة “المؤودة”، عندما ستأكله السلطة عاجلاً وربما غير آجل، تطبيقاً للسنة الكونية القائلة، إن من أعان ظالم على ظلمه، ذُل على يديه.
صحيح أننا هاجرنا جسدياً منذ سنوات، لكننا فعلياً هاجراً نفسياً وشعورياً قبل ذلك بكثير، وعشنا في بلدنا مع الملايين من المهاجرين أمثالنا ممن انتظروا هجره جسدياً عندما حان موعد الرحيل.
بالمختصر يا “خيتي” يا “صانعة المحمرة”.. المستبد والديكتاتور الذي يحكمكم لا يريد أن يرى في الأرض التي يسيطر عليها إلا عبيداً أو فرائس، ونحن بالتأكيد لسنا ممن يقبل أن يكون من هؤلاء.. أو أولئك.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy