الشعوب العربية تثغو والدماء تسيل!

by admindiaa

 

*أحمد بغدادي
“أستطيع أن أغفر للبشر كل شيء إلاّ الظلم والجحود وانعدام الإنسانية”
دينيس ديدرو/ فيلسوف فرنسي
***
يبدو أنّ لعنة الموت والقهر والشتات التي تطارد السوريين في كل مكان، لم تقف عند حدودٍ لها بفعل القدرِ أو بفعل فاعل؛ فالسوريون منذ سنواتٍ عديدة لم يعرفوا شكلاً من أشكال الحياة الطبيعية، حتى قبل الثورة السورية، كانوا يرزحون تحت وطأة القمع والبطش والخوف، في جمهورية الموت التي صنعها “حافظ الأسد” تماشياً مع سياسات أسياده ومخططاتهم في تجهيل وتدمير المجتمع السوري، وإخضاعه عبر سياط الدكتاتورية دون السماح لأي فردٍ أن يعترضَ على هذه المنهجية المُذلّة.
فجاءت الثورة السورية كموجةٍ عارمة من ماءٍ طاهر لتنزحَ كل المستنقعات الآسنة والمتراكمة منذ أربعين سنةٍ، فكان لها ثمنٌ باهضٌ، مئات ألوف القتلى والمعتقلين والمصابين وملايين المُهجّرين حول العالم؛ كل ذلك، لأجل أن يبقى هذا النظام العميل في سدّة الحُكم!
ولقد كانت المباركة بوأد الثورة “صهيونية”، منبعها تل أبيب، إضافة إلى صمت دولي متقصّد على كل الجرائم والانتهاكات التي قام ويقوم بها النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون والروس.
والأسوأ من ذلك، بل الأكثر مضّاضةً، موقف الدول العربية، وخاصةً الخليجية، التي كانت من أولى الأنظمة التي تكالبت على الشعب السوري، لطمس معالم الحراك الشعبي المدني، السلمي، وتحويله بمساعدة النظام السوري إلى صِدام مُسلّح، ثم أسلمته، وتصدير العقول المُتحجّرة بداعي استعادة المجد الإسلامي والخلافة الرشيدة، ومن تلك الهرطقة!
ثمة هنالك تفاوت بين معاناة السوريين، هكذا يرجّح أغلب من ينظر إلى المأساة السورية من عين واحدة!
ونحن السوريين الذين عهدنا هذا الجور التاريخي من قبل العالم، لم ندّعِ يوماً أن الظلمَ يوزّعُ بالتساوي، فالجميع قد ذاق المرارة ذاتها، لكن بأساليب مختلفة، ومن قبل جهات تدّعي نصرة الشعب السوري، أو محاربة (الإرهاب).
إن ما حصل في سورية على مدى ثماني سنوات، ويحصل الآن، ليس سوى قهر تاريخي، سوف يُسجّل وصمة عار على كل إنسان يتشدّق بالحريات والديمقراطية، ابتداءً من أصغر سياسي في أمريكا، ومروراً بعباءات العملاء في أنظمة الخليج، الذين يبيعون ويشترون صكوك الدين وقرارات الله على الأرض كيفما شاؤوا!
إذن، نحن لا نعترف بإسلامٍ باطنه كفر وزندقة، فهؤلاءِ العملاء الأقزام، تكالبوا مع الدول الغربية والصهاينة ونظام الأسد القاتل على السوريين الأحرار، والأخيار، حتى الجماعات المؤيّدة والرمادية، لم يسلموا من هذه المقتلة التاريخية.
– فمَن الذي يضع هذا السيناريو الأسود؟ هذا سؤالٌ مجابٌ عليه مُسبقاً، منذ تنصيب هذه الأنظمة العميلة فوق عروشها لخنق الشعوب العربية والأمّة الإسلامية، لذا، لا يتساءل أحد عما يجري الآن بأنه قدرٌ قد كتبَ علينا من قبل الله، فالله لم يرتضِ يوماً الذلّ والمهانة لخلقهِ، وخاصةً الذين يؤمنون بوجود العدل الإلهي قبل إن يكون هنالك عدلٌ على الأرض، من قبل السلاطين والملوك والقادة! صحيحٌ إن هناك عوامل ومسبّبات بمقدورها تغيير مسار التاريخ، لكن هذه الأمور لم تكن لتحصل لولا ضعفنا، فنحن الضعفاء، وليس أعداؤنا هم الأقوياء. فعلى مدى حقبٍ ذهبت، وحتى الآن لمّا نزل نتباهى بتاريخ أجدادنا والفتوحات والانتصارات، وقد أغفلنا الجانب المضيء، الذي عبره نستطيع أن نكون أقوى من ذي قبل، لكننا دائماً كنّا نفضّل الثرثرة، والكلام عن الأمجاد، والغرب يفتكون بنا من كل صوبٍ، ونحن نبتسمُ كالبُلهاء، فلم يبقَ سوى أن ندعوهم إلى غرف نومنا كي يكشفوا عن خصوبة نسائنا ويتحكّمون بنسلنا، عبر خبراء أو (مستشرقين) يتقاضون رواتبهم من الصندوق العربي الإسلامي، أو من ثمن بطاقات ورسوم الحجّ إلى الكعبة!
لم يجرِ في التاريخ ما جرى في سورية! وكل ذلك بفضل (إخواننا العرب) -المسلمين. هكذا تُفتّت الدول وتقتل الشعوب، منذ سكوتهم على غزو العراق وتدميره، حتى مساندتهم السرّية أو العلنية لطاغية الشام، والصمت المُطبق تجاه مذبحتنا، الذي تحوّل إلى إدمان يمارسونه بميكانيكية يوميّة مثل أي روبوتات مُلقّنة بمهارة!
لا تناقض بما أقوله، نعم، هنالك طغاة قاموا بلجم شعوبهم، وإخراسها، وذلك ما ساعد وشجّع النظام السوري على الفتك بنا مع ميليشياته وحلفائه؛ لكن، هل هنالك حرٌ في العالم يرضى باغتصاب أخته أو والدته أمامه؟ فمن صمتَ على إهراق دمائنا، كمن يرى عِرضه أمامه يُنتهك ويبتسم!
كان على الشعوب العربية التي حاولت أن تنفضَ ركام العبودية وتكسر قيود الذل، الوقوف إلى جانب السوريين، الذين يُقتلون كل يوم! وهذا من المستحيل، نادراً ما تجد من يقول كلمة حق، وهم قلّة. فلمجرّد أن يخرج “فنان غربي” ويرسم صورة كاركتورية لــ النبي محمّد” بداعي (الديمقراطية)، نجد أنّ (الأمّة الإسلامية) حول العالم انتفضت، وخرجت عن صمتها، وأخذت الشعوب تموج وتهوج وتحُطّم السفارات وتحتجّ في الساحات، وتقود مظاهرات مُندّدة بألوف الشباب والرجال والنساء والشيوخ والأطفال! أليس ذلك من العجب العجاب أم رياء في الدين؟
من أجل رسومات مُسيئة للنبي محمد، الذي هو منزّهٌ من كل سوء وإساءة، تقوم القيامة! … ولا شك لدينا أننا لا نقبل بهذه الإساءة ونرفضها بتاتاً؛ لكنّ النفاق له درجات أيها المسلمون. أمّا عن مقتل مليون سوري واعتقال مئات الألوف وتدمير المُدن وتهجير الملايين حول أصقاع الكرة الأرضية ضمن ظروف مذلّة وحياة قاسية، نجد هذه الشعوب التي تدافع عن النبي، والإسلام الذي حرّم القتل بغير حق، مخصيّة، دون همسٍ، ولا حتى مظاهرة واحدة مكوّنة من عشرة أشخاص تطالب بإنهاء المجزرة الأممية بحق السوريين!
– أية شعوبٍ مُسلمة هذه، وأي إسلامٍ تعتنقون؟
نحن الشعب السوري الذي خرج ضد الطاغية لم نعوّل على أحد، كان على (العرب والمسلمين) أن يتركونا وشأننا، دون تدّخل أنظمتهم العميلة، لكنّا الآن ضمن دولة خاوية من المافيا والدكتاتورية والظلم والقهر؛ لكن كيف يحصل هذا، وهم مدمنون للخراب، وقد ذهب معظمهم إلى التشفّي بنا وإلقاء اللوم علينا وعلى ثورتنا، التي لو أنها استمرت ضمن أهدافها، لتحررت كل الشعوب العربية من قبضة الطغيان والعبودية.
نهايةً، لم نرَ نحن السوريين سوى كائنات وطحالب تاريخية تسمى (الجماهير الشقيقة) وهنا أقصد الفئات المتفرّجة، أو تلك التي تجمّهرت ضدنا وسكتت على جرائم “آل الأسد” والذئاب الإقليمية والأمميّة.
فما يقوم به العنصريون في لبنان وفي كل دول اللجوء التي قَدِمَ إليها السوريون، لن يذهب سدىً، فالدوائرُ تدور على الفتى؛ وغداً، أي قريباً، سوف يذوق كل جبان وكل رخيص أساء للسوريين من الكأسِ ذاتها، أو أقسى من ذلك، وحينها، سوف لن ينفع الندم أو الحزن.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy