الجزيرة سقطة أخلاقية.. أكثر منها مهنية

by admindiaa

مادة رأي لمدير مؤسسة فرات بوست ومركز الفرات.
طالما كنا نسمع ونقرأ عن “تزييف التاريخ” وما يحتويه من زور وبهتان للأجيال التي لم تعاصره، لكن ما لم يكن في حسباننا، أن تصل الأمور بمن يزيف ويزوّر، إلى تزييف الواقع والمثبت والمشاهد، فهو ما يمكن وصفه بوقاحة ما بعدها وقاحة.
قناة “الجزيرة” وفي سقطة أخلاقية جديدة أكثر منها مهنية، تُثير الجدل من جديد في فيديو جديد يُظهر القائد في “الحرس الثوري” الإيراني، قاسم سليماني، في صورة مغايرة، وتحاول تمجيده فيها، عبر إظهاره بطلاً في خدمة الإسلام، ورجل الرعب للصهيونية وإسرائيل.
المقطع المحذوف، مقتطف من من حلقة كاملة مدتها أكثر من 20 دقيقة، ضمن سلسلة “رموز”، ونشرتها الشبكة في قناتها على منصة “يوتيوب” في الثامن من الشهر الجاري، ولعل تسليط الضوء عليه ضمن برنامج يطلق عليه اسم “رموز”، هو بحد ذاته استفزاز لمشاعر الملايين من أفراد عائلات ضحاياه في دول عربية عدة، لا سيما في سورية والعراق.
لعل التساؤل المطروح هنا: لماذا هذا الغضب الكبير من خطأ القناة المهني، وماذا يُميز هذا الخطأ، عن غيره من هفوات وسقطات إعلامية قد تقع فيه أية وسيلة إعلامية، والجزيرة من بينها.
الجواب على هذا التساؤل يحمل شرحاً مطولاً، لا يمكن أن تكفيه سطور مقال واحد، لكن يكفي ذكر بعض التأثيرات الكبيرة التي يخلفها مثل هذا النوع من المنتجات، خاصة إذا كان مصدرها وسيلة إعلامية لها حضورها وقوتها في العالمين العربي والإسلامي.
لعل من أهم ما يحمل هذا المقطع من تأثيرات، مساهمته في تزييف حقيقة وتاريخ قريب وليس بعيد، وتزييف وعي الكثير من متابعيه، خاصة لمن ليس لديه اطلاع كاف على ما جرى ويجري مع شعوب المنطقة التي طالتها جرائم سليماني، وبمعنى أبعد، تجميل كل ما فعلته إيران خلال السنوات الأخيرة خاصة، بل وإعطاء مشروعية لكل جريمة ارتكبتها بحق السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين، وغيرهم من مواطني الدول التي طالتها جرائمها وانتهاكاتها.
الأمر الآخر المهم، أن الحقيقة التي اثبتتها الوقائع، هي أن سليماني ومن خلفه إيران كان الدين الإسلامي والقضية الفلسطينية مطية لتحقيق أطماع توسعية تحمل أوجه عدة أوضحها الطائفية، وبعلم وبمباركة، بل وبدعم من ذات القوى التي يزعم هو ودولته معاداتها، أي أن ما فعله ليس له أي بُعد إسلامي أو وطني كما تُزعم “الجزيرة” وتحاول ترويجه.
ولا يمكن هنا، نكران أن الرجل الأسطورة وفق الرواية والأكاذيب الإيرانية، الذي تحاول “الجزيرة” تكريسه كذلك عبر مادتها المرئية، أصبح من الأكاذيب التي كشفها أسلوب وتوقيت مقتله، وكيف أنه تحول لجثة متفحمة في اللحظة التي قررت فيها أمريكا التخلص منه، بعد أدائه كافة الأدوار المرسومة له، ومساهمته في تدمير بلدان عربية عدة وتهجير سكانها، ما قدم فوائد جمّة لإسرائيل وداعميها، ممن كان يُزعم سليماني معاداتها.
سقطة “الجزيرة” المهنية والأخلاقية، ربما لا يكفي حذف الفيديو من قناتها ومعرفاتها، دون وجود اعتذار رسمي من إدارة القناة ومحاسبة من قرر ونفذ وساهم، وهو ما لا اعتقد أن القتاة ستقدم عليه، جازماّ في الوقت ذاته بأن “الاعتذار” إن حصل، لن يكون مقبولاً من عائلات ضحايا قاسم سليماني، وما أكثرهم.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy