“الثأر العشائري” ما بعد داعش.. قنبلة موقوتة أم “فزاعة” مصطنعة؟

by admindiaa


مع نهاية مرحلة داعش في سوريا والعراق، بدأت تظهر العديد من الأصوات المحذرة من النتائج التي خلفتها سياسة التنظيم في المنطقة خاصة في محافظة دير الزور، صاحبة النصيب الأكبر من مظالم داعش ومجازره في سوريا.
الخشية من “الثأر العشائري” في مرحلة ما بعد داعش، من أبرز ما تنادي به أصوات ترى “المستقبل القاتم” للمنطقة، مؤكدة أنه نتيجة منطقية لحالة الانقسام الكبير الذي أحدثه التنظيم خلال سنوات “خلافته” بين المكونات العشائرية، وكانت ضمن النهح الذي حرص على تطبيقه، عبر اتباع قاعدة “فرق تسد”، لعشائر توجد فيما بينها بذور الفرق والشقاق أصلاً، وتعززت خلال سنوات الحرب في سوريا، ليقوم هو بسقايتها ورعايتها ومتابعة نموها، ومن ثم قطف حصادها.
مع بداية سيطرة داعش على مناطق في محافظة دير الزور عام 2014، انقسمت العشائر بين مؤيد للتنظيم ومعارض له، وحاول الأخير استغلال حالة الانقسام هذه، والاستفادة من حالة العداء القديم (غير المعلن) بين أطراف عشائرية (لأسباب لا يتسع هذا المكان لذكرها)، عبر دعم من يؤيده، وقمع وإنهاء من يخالفه، ومن ناحية أخرى، إيهام كل طرف، بأنه الأداة التي سيتحقق من خلالها تحجيم الطرف الآخر المعادي له.
داعش لم يجد أمامه قادة وشيوخ العشائر من الصف الأول الذين أصبح جلهم خارج المحافظة، كونهم انقسموا سابقاً بين مؤيد للنظام وبين مؤيد للثورة، لذلك عمد إلى التقرب من شخصيات الصف الثاني والثالث وربما أبعد من ذلك، لكن هؤلاء لم يكن لديهم التأثير الكبير على أبناء جلدتهم.
هذا التقرب كان عكسياً أيضاً وإنما في حالات محدودة، عبر محاولة شخصيات الصف الثاني أو الثالث في هذه العشيرة أو تلك التقرب من داعش، في سبيل نيل مكاسب ومنافع شخصية، ناهيك عن استخدام التنظيم كأداة لتحقيق أهداف عشائرية قديمة ضد منافسين عشائريين في المنطقة.
التنظيم لم يعتمد على هذا الأسلوب فقط للحصول على تأييد عشائر المنطقة، بل استغل الخطاب الديني لهذه الغاية، كما استغل المجازر المرتكبة من قبل الروس والنظام، أو التحالف لتأليب أبناء العشائر على أعدائه، وكسب مزيد من المقاتلين المحليين إلى جانبه.
ما نود طرحه دون استفاضة، الخشية من حصول فتنة عشائرية لا يمكن نكرانها أو الغائها بشكل كامل، لكن هناك وجهة نظر يجب أن تقال في هذا الإطار، وهي أن هذه “الخشية” ربما أخذت أكبر من حجمها الطبيعي، وقد لا يكون لها تأثير كبير في المستقبل القريب وكذلك البعيد، إلا في حالات فردية، نستطيع القول إنها (إن حصلت) فهي من الأمور البديهية لبلد يخرج من حرب عمرها سنوات تنوع فيها محتليها وأعدائها.
ربما لا يسعنا هنا، إلا التذكير بالحقيقة التي يعرفها الجميع، ألا وهي محاولة النظام كسب العشائر إلى جانبه منذ عقود، ولغاية ذلك عمد إلى تربية “أسماء وشخصيات”، أجبر الجميع على أن تكون هي في الصف الأول وممثلة لعشائر المنطقة، ومنحها مكاسب مادية وسياسية وحزبية.
مع أن بدأت الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، حتى حاول النظام استخدام ورقة شيوخ العشائر لضبط الأوضاع وإعادة الأمور إلى طبيعتها، لكنه اكتشف (متأخراً) عدم وجود أي تأثير لقادة العشائر الذين صنعهم على مدار عقود، وأقروا هم بذلك، ومع ذلك لم يلقي هذه الأوراق نهائياً وإنما عمد إلى جمعها بالقرب منه في دمشق، لاستخدامهم في مسرحيات سياسية وإعلامية وهزلية في وقت لاحق.
مع بدء ميليشيا “قسد” حملتها على دير الزور، تعالت العديد من الأصوات التي تقول إن العشائرية سيكون لها الدور الحاسم في منع الأكراد (المكون الأساسي لهذه الميليشيا) من السيطرة على المنطقة، لكن مع مرور الأسابيع والأشهر، وسيطرة “قسد” على قسم كبير من أراض المحافظة، ظهر زيف هذه الإدعاءات وعدم موافقتها مع أرض الواقع.
سارت “قسد” على نهج النظام، واستغلت العشائرية (ضمن نطاق محدود) سياسياً وإعلامياً و”هزلياً”، عبر تشكيلات بأسماء عشائرية، ثبت عدم قدرتها على لعب دور حاسم عسكرياً، كما حاول البعض ترويجه في فترات سابقة.
ما يشجعنا على طرح هذا الرأي، أن الظلم خلال فترة داعش، كان عاماً وطال الجميع تقريباُ، وإن بدرجات متفاوتة.
لكن أهم ما يدفعنا إلى هذا الطرح، هو أن مروجي فكرة “الثأر العشائري” يتناسون أن أبناء العشائر الذين يراهنون عليهم، لجأ الكثير منهم إلى دول مجاور أو إلى أوربا ودول أخرى، وفتحت أمامهم العديد من الأبواب المعرفية، وأصبحت لديهم رؤية أوضح للأمور، وبالتالي لم يعودوا أبناء هذه القرية أو تلك ممن يعد شيخ العشيرة أو شيخ المسجد المؤثر الأساسي لهم، والموجه لفكرهم وتطلعاتهم، لذلك إن عادوا إلى موطنهم يوماً ما، فإن المراهنة الأساسية ستكون على ما يملكون من وعي، ملكوه في غربتهم، وصقلته تجربتهم، وليس على من يدفعونهم إلى الثأر لغايات في أنفسهم، أو “أنفس” من يدفعهم إلى تبني وترويج هذا “الخطر الوهمي”.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy