التسابق إلى دير الزور يعيد الدور العشائري إلى الواجهة.. ما هو مكانه بين الأطراف المتنازعة؟

by admindiaa

خاص – فرات بوست
دخلت معركة السيطرة على دير الزور مراحل متقدمة بين مختلف الأطراف المتنازعة، وتزامن ما يحصل في الميدان، مع تطورات ونقاشات عدة حول العديد من القضايا الجوهرية المرتبطة بهذه الحدث، ومن بينها الدور العشائري المتوقع في هذه المعركة، وأهميته، وتأثيره على أرض الواقع.
ما توارد من أنباء ومعلومات اليوم، يؤكد وجود منافسة بين الأطراف المتنازعة من أجل كسب التأييد العشائري إلى جانبها، واستغلاله ميدانياً، وفي أسوأ تقدير استغلاله إعلامياً، ما يعكس إدراكها أهمية هذا الدور.
المعلومات التي حصلت عليها “فرات بوست” من مصادرها في دير الزور، تفيد بإجراء تنظيم داعش خلال الأيام الماضية تغييرات جذرية في المناصب القيادية والإدارية، تمثلت في جعل مقاليد الأمور بيد أبناء المنطقة ممن يطلق عليهم لقب “الأنصار”، وذلك عقب عزل من كان في هذه المناصب على مدار سنوات خلت من الجنسيات الأخرى غير السورية.
هذه الخطوة، فسرها البعض بلعب التنظيم على الوتر العشائري والمناطقي، رغبة منه في استغلالها وسط ظروف تصنف أنها الأسوأ لديه منذ إعلانه قيام “دولة الخلافة”، وبالتالي الاستفادة من علاقاتهم ومكانتهم في ضبط الأمور، ظناً منه أن سيكسب بذلك تأييد ودعم السكان خاصة في الريف إلى جانبه.
وفق المعلومات الواردة، فإن هذه التغييرات طالت أعلى المناصب في الولاية، لتشمل والي ما يطلق عليه التنظيم لقب “والي ولاية الخير”، ليعين من خلاله أحد أبناء المحافظة بدلاً من أبو عائشة الجزائري، كما طالت هذه التغييرات قادة المناصب الأمنية (يد التنظيم الضاربة داخل مناطقه)، وعزل من خلالها بعض أصحاب الجنسيات العراقية أو الجزائرية أو غيرها، وعين بدلاً عنهم أبناء المنطقة المنضمين إلى صفوفه.
لعل من المناسب هنا، التذكير بالدور غير المباشر الذي لعبته العشائرية في تغلغل التنظيم إلى دير الزور، مستغلاً الثارات والعلاقات التنافسية والتناحرية، وحالة العداء العشائري بمختلف تقسيماته في بعض مناطق ريف دير الزور، وليس من المبالغ القول أن بعض هؤلاء وقف إلى جانب داعش ليس حباً به أو اقتناعاً بفكره، بل لأن منافسه العشائري أو المتناحر معه، يعادي التنظيم، وبالتالي وجد في داعش فرصة للتغلب عليه والثأر منه.
النظام بدوره، تشير الأنباء الواردة من مناطقه، بأن وجوه عشائرية من دير الزور موالية له، كانت من بين الحاضرين لمؤتمر “شيوخ العشائر” في دمشق، وخلاله دعا “الشيخ” نوري عبود الجدعان الهفل أبناء قبيلة العكيدات إلى التعاون مع قوات النظام وإيران وروسيا لما وصفه بـ”تحرير” دير الزور، وطرد داعش منها.
هذه المؤتمر وعودة النظام إلى الحديث عن الوتر العشائري، قد يكون خلفه الرغبة في استغلال هذا الوتر سياسياَ وإعلامياً، وليس أكثر من ذلك، لأن النظام أصبح على يقين بأن الوجوه العشائرية الموالية له، لا تستطيع التأثير في توجهات أبناء مناطقها، مستعيناُ بتجربته السابقة في بداية الثورة، عندما ظن النظام آنذاك أن الشخصيات والوجوه العشائرية التي صنعها أو دعمها خلال عقود، ستكون عوناً له في قمع الثورة داخل دير الزور وغيرها من المناطق، أو على الأقل، الحد منها، لكن الواقع أثبت غير ذلك.
النظام وخلال عقود خلت، عمد إلى شراء وجوه عشائرية بالمال أو المناصب (كراسي مجلس الشعب على سبيل المثال)، أو من خلال منحهم امتيازات معينة، في سبيل ضمان بقاء مناطقهم تحت جناحه، لكن الثورة عند انطلاقتها كشفت له زيف هذه الإدعاء، واقر بذلك في تصريحات عدة معلنة، وداخل غرف الاجتماعات المغلقة.
ميليشيات قسد، وعقب إعلانها اليوم البدء بحملة عسكرية في ريف دير الزور، تشير التوقعات إلى أنها ستلجأ إلى استغلال الجانب العشائري بدعم من حليفها الأمريكي، ومهدت لذلك في تصريحات وبيانات سابقة تشير باستمرار إلى انتماءات بعض المنتسبين إليها، مسلطة الضوء على عشائرهم ومناطقهم.
وربما يلعب الظلم الكبير الذي تعرضت له وجوه وشخصيات وكيانات عشائرية على يد داعش وسحب امتيازات كانوا يتمتعون بها، الدور في كسب تأييد هؤلاء إلى جانبهم، وإن كانت التوقعات تشير إلى أن نجاحهم في تحقيق هذا الهدف سيكون محدوداً.
التأييد والولاء العشائري لإحدى الأطراف المتصارعة ومن بينها إمكانية دخول الجيش الحر على هذا الخط، لا يتوقع له الاستقرار، وقد يكون اشتراط الفوز بمزايا أو مكاسب إحداها مادية (من بينها تقسيم الموارد النفطية، مقابل حماية خطوط النفط)، من الشروط التي ستضعها بعض هذه الكيانات للموافقة على الانضمام إلى أي طرف.
ولابد في هذا السياق، من الإشارة إلى بعض زعماء القبائل الذين بدأوا يشعرون بتغيّر مجرى الأمور، ليعودوا إلى أحضان النظام، ونواف البشير شيخ عشيرة البقارة هو أولهم، وبالتأكيد لن يكون أخرهم بحسب ما يجزم بعض الناشطين من أبناء دير الزور.
ولا يمكن التغاضي هنا، عن الدور الذي يمكن أن يلعبه “الثأر” ورغبات الانتقام في تحديد الولاء المستقبلي لهذا الطرف أو ذاك.
ونذكر هنا بالصراع العشائري الكبير عام 2014، والذي انتهى بمجزرة كبيرة بحق المئات من أبناء الشعيطات، وقد تشهد الأيام المقبلة، عودة قوية لهذه الوقائع على مسرح الأحداث، من أجل تصفية حسابات أشعل التنظيم جذوتها على مدار سنوات، وقد يطالب لهيبها الكثير من أبنائها، إن لم تتدخل السياسة والحكمة لإطفائها.
بالمجمل، دير الزور التي تضم مناطق صحراوية ومعابر حدودية، ومساحتها أكبر مرتين من مساحة الرقة، إضافة إلى أنها المعقل الأخير لتنظيم داعش، ستكون عصية على جميع الأطراف المتصارعة، لتصبح أكثر قسوة وأشد تعقيداَ من أي أرض سورية أخرى، ويبقى الدور العشائري أحد الأدوار المحورية في حسم الصراع على هذه المنطقة، وربما سيكون من ضحاياه الأساسيين.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy