“نحن لن نسامحك، نصيحة من هل الدقن، لا حدا يرجع منكم على سوريا”. بهذه الكلمات أطلق العميد في قوات نظام الأسد، عصام زهر الدين، تهديده الشهير للسوريين، عام 2017، ليقتل بعدها بفترة قصيرة (أكتوبر/ تشرين الأول 2017)، ولتثبت الأيام التي تليها، أن تهديده أصبح واقعاً وحقيقة، لكن جديده أنه لا يطبق على السوريين اللاجئين أو النازحين العائدين فحسب، بل شمل كذلك كل سوري بقي داخل مناطق سيطرة النظام.
صورة نُشرت قبل أيام لمحافظ دير الزور المعين من قبل النظام، عبد المجيد الكواكبي، وهو غير مكترث بكلام رجل كبير في السن يشكو حال منطقته المدمرة العائد إليها (حي الصناعة شرق مدينة دير الزور)، بل وتبدو على مسؤول النظام علامات القرف والاشمئزاز وهو مبتعداً خطوات عن الرجل، ومن خلفهما تبدو أبنية مدمرة جراء القصف الذي تعرضت له المدينة من طيران نظام الأسد والروس على مدار سنوات.
الصورة أثارت استهجان وسخط الصفحات والشبكات الإعلامية الموالية للنظام، والتي هاجمت الكواكبي، وذكًر بعضها بتقصيره تجاه الواقع السيء الذي تعيشه المحافظة اقتصاديا وخدمياً ومعيشياً، محملة إياه كل ما يجري للمحافظة وأهلها، مع الحرص على تمجيد رأس النظام بشار الأسد، وإعفائه من المسؤولية عن هذا الواقع.
الملفت وفق ما علمت به “فرات بوست” من مصادرها في مبنى محافظة دير الزور الكائن في حي الجورة، أن الصورة نشرتها بداية صفحة “محافظة دير الزور” التي يشرف عليها إبراهيم الضللي، مدير المكتب الصحفي في المحافظة (مراسل الإخبارية السورية)، وذلك ضمن مجموعة صور للكواكبي أثناء زيارته لحيي المطار القديم والصناعة، ليتم تداولها بين صفحات وشبكات موالية، ومنتقدة إعراض محافظ النظام للرجل، وعدم اكتراثه بحديثه ومعاناته.
ووفق المصادر ذاتها، فإن الضللي تعرض لتوبيخ من الكواكبي ومن جهة أمنية، وطالباه بحذفها من صفحة “محافظة دير الزور”، والتصرف مع الصفحات والشبكات التي روجت لهذه الصورة، وهو ما حصل بالفعل، حيث كثف الضللي اتصالاته، لينجح في إقناعه أغلبها بحذف الصورة، كما عمد قبل ذلك إلى حذفها من صفحة “محافظة دير الزور” الناطقة باسم المحافظ.
ابراهيم الضللي، عرف بأنه غير متخصص في الصحافة، ومع ذلك أقحم نفسه في مجال الإعلام الرياضي في سنوات ما قبل الثورة، ليقفز إلى واجهة الإعلام العسكري للنظام في دير الزور، ويقوم بتغطية معارك قوات النظام وتمجيدها، بالإضافة إلى تزييف ما يجري على الأرض فعلياً، وهو إحدى الشخصيات التي حرص النظام على إرسالها ضمن “وفد دير الزور” الذي استقبلته مدينة “قم” الإيرانية، في يوليو/ تموز الماضي، وبقي الوفد لأيام دون الكشف عن الهدف من الزيارة.
ويعاني من بقي من أبناء دير الزور في مناطق سيطرة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، أو من عاد منهم، من واقع خدمي وصحي ومعيشي سيء، وذلك رغم مرور نحو عام ونصف من طرد “تنظيم الدولة” من المنطقة، وهدوء الجبهات العسكرية.
وهذا الأمر لا ينطبق على أبناء دير الزور فحسب، بل هو حال بقية المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، مع الإشارة إلى تعرض العديد من اللاجئين والنازحين السوريين العائدين إلى المضايقات الأمنية وصولاً إلى الاعتقال وتصفية بعضهم وفق ما أكده وزير شؤون النازحين السابق في لبنان، معين المرعبي، وذلك في معرض حديث له عن الأخطار التي تعرض لها بعض السوريين العائدين من لبنان، إلى مناطق سيطرة الأسد.
وما ذكره مرعبي، أكدته الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، وهي ذات الأخطار التي يتعرض لها من بقي داخل مناطق سيطرة النظام أيضاً (غير النازحين واللاجئين) سواء عبر الاعتقالات التعفسية أو التجنيد إجباري، ناهيك عن أوجه الفساد المتعددة التي طغت وتضاعفت خلال سنوات الحرب.
ما يحصل للسوريين داخل مناطق سيطرة النظام، يؤكد أن تهديد عصام زهر الدين الشهير، يطبق فعلياً، ويجري تنفيذه على قدم وساق، إلا أن صورة محافظ النظام مع الرجل الكهل تشير إلى أن هذا التهديد حمل أبعاداً أكبر، حيث لم يعد يشمل (التهديد) اللاجئ والنازح العائد، بل امتد إلى كل من هو مقيم تحت سيطرة النظام وحلفائه وميليشياته.
يبدو أنه كان على زهر الدين إكمال تهديده، والقول: “نصيحة لا حدا يبقى”..!
199