فرات بوست: أخبار | تقارير
يواجه المسنّون تحديات متعددة تؤثر في تفاصيل حياتهم اليومية، من أبرزها التراجع في الصحة كضعف النظر والسمع ومشكلات المفاصل، وارتفاع احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري وأمراض القلب. كما يعانون من أزمات نفسية واجتماعية تتمثل في الشعور بالوحدة والعزلة بعد فقدان شريك الحياة أو ابتعاد الأبناء، إضافة إلى ضعف الدعم المادي وقلة فرص الحصول على الرعاية اللازمة. هذه الظروف تجعلهم في حاجة ماسّة إلى اهتمام خاص يضمن لهم حياة كريمة تليق بما قدّموه على مدى سنوات عمرهم.
الرعاية الصحية والنفسية أولوية إنسانية
في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الدول الفقيرة والمتأثرة بالحروب والكوارث البيئية والفقر، تغفل العديد من المؤسسات الخيرية عن رعاية كبار السن. غير أنّ مؤسسة لايف للإغاثة والتنمية (Life For Relief and Development) أولت هذه الفئة اهتماماً خاصاً عبر برامج عملية وفعالة.
توضح فيكي روب، مديرة البرامج الوطنية والدولية بالمؤسسة، أنّ تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان تشير إلى أنّ نسبة كبار السن (60 عاماً فأكثر) تبلغ نحو 8% من سكان العالم حالياً، بينما يتوقع أن يرتفع العدد في العالم العربي من نحو 27 مليوناً عام 2015 إلى 50 مليوناً في عام 2030، ثم إلى أكثر من 80 مليوناً بحلول عام 2045. بل إن بعض الدول العربية، مثل لبنان ودول الخليج وبعض دول المغرب العربي، قد تشهد بحلول منتصف القرن نسبة كبار سن تفوق نسبة الأطفال (أقل من 15 عاماً).
وتضيف روب: “من خلال عملنا الممتد منذ 34 عاماً في 60 دولة حول العالم، وضعنا كبار السن ضمن قائمة أولوياتنا عبر مختلف برامجنا، سواء الإغاثة العاجلة ورعاية اللاجئين، أو البرامج المستدامة كتوفير الخدمات الطبية والمياه النظيفة، والمشروعات الموسمية، والدعم الأسري، وحتى برامج الكفالات والتعليم”.
حضور فاعل في المخيمات ومراكز الإيواء
أما د. عبد الوهاب علاونة، مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، فأكد أنّ المؤسسة تدعم كبار السن الأكثر احتياجاً في دور الرعاية على اختلاف دياناتهم، من خلال جلسات حوارية تثري المخزون الإنساني بخبراتهم وحكاياتهم، إلى جانب توفير الوجبات الغذائية والهدايا الرمزية. كما يعمل المتطوعون على دراسة احتياجات هذه الفئة، مثل ورش تعليم أساسيات التكنولوجيا للتواصل مع العائلة، والأنشطة التعليمية والترفيهية المناسبة لقدراتهم، فضلاً عن دمج خبراتهم في خدمة المجتمع.
ويضيف علاونة: “نوفر للمسنين أدوية أساسية، وفحوصات طبية دورية، ورعاية علاجية مستمرة، إلى جانب دعم الفرق الطبية المتنقلة للحالات الحرجة. كما نحرص على توفير وجبات غذائية متوازنة وملابس وأغطية، خاصة في فصل الشتاء، إضافة إلى مساعدات مالية لتغطية الاحتياجات اليومية، لا سيما لكبار السن الذين يعولون أيتاماً”.
ويؤكد أنّ الجانب النفسي والاجتماعي حاضر بقوة عبر تنظيم جلسات دعم نفسي وأنشطة مجتمعية تُشعر المسنين بقيمتهم وتعزز اندماجهم، بما يرسخ قيم التكافل والوفاء لجيل قدّم الكثير، ويغرس في المجتمع ثقافة الاحترام والتقدير.
تجارب حيّة من الميدان
تقول نور سوالمة، مديرة مكتب “لايف” في فلسطين، إن جهود المؤسسة في بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا تركزت على دعم كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة، مضيفة أنّ هذه الفئة قد تكون “عزيزة النفس” فلا تطلب العون رغم معاناتها. أما في غزة، فتقدم المؤسسة مساعدات إغاثية وطبية للأسر المتضررة التي تضم عادة مسنين يعانون الأمراض المزمنة أو يتحملون مسؤولية أيتام بعد فقد الأبناء في الحرب.
وتكشف شهادات المسنين عن معاناتهم وامتنانهم في الوقت ذاته. فزهرة (75 عاماً) من موريتانيا وصفت توفير السلال الغذائية بأنه “يخفف عناء الحاجة ومرارة السؤال”، بينما أشاد إدريس (63 عاماً) من المغرب بجهود المؤسسة بعد الزلزال قائلاً: “زارونا في المخيمات ووفّروا لنا ما نحتاجه”.
أما سيمون (65 عاماً) من لبنان فاعتبر أنّ “توفير الاحتياجات الطبية ساعده على الحفاظ على كرامته”، فيما قال أبو ناصر (71 عاماً) من غزة: “لم ترحم الحرب شيبتي، فوجدت نفسي أعيل ستة أطفال. توفير السلال الغذائية والمياه حماني من الخوف على حفيدي أن يخرج ليعيلنا”.
من أفغانستان، روت فاطمة (73 عاماً) كيف أنقذتها برامج “لايف” بعد الفيضانات، بينما تحدثت عائشة جول (67 عاماً) من تركيا عن الدعم الذي تلقته عقب زلزال كهرمان مرعش، بدءاً من الإيواء مروراً بالأدوية وصولاً إلى السلال الغذائية. وفي سوريا، قال أبو عامر (78 عاماً): “أنقذتني لايف من برد الخيام بتأمين منزل آمن”.
قصص إنسانية من دول عدة
من السودان، روت إيمان (59 عاماً) معاناتها بعد الحرب حتى وجدت الرعاية الطبية والغذائية في مصر. وفي الأردن، قال أبو محمود (54 عاماً): “الصمت القاتل في دار المسنين خففه المتطوعون بحديثهم وحسن استماعهم”.
أما في الدومينيكان، فجلس الجد بيدرو (71 عاماً) يشاهد أحفاده يعودون لمدرستهم التي أعيد تأهيلها بجهود المؤسسة، وفي اليمن عبّرت جميلة (70 عاماً) عن امتنانها للإغاثات العاجلة بعد الفيضانات. وفي سيراليون، أضاءت ابتسامة فاطوماتا (58 عاماً) وجهها وهي تتلقى الطعام المدعّم بالفيتامينات مصحوباً بكلمات الدعم والتضامن.
تؤكد هذه التجارب أنّ المسنين، رغم صمتهم أحياناً، يطلقون نداءً صامتاً يطالب بالاهتمام والوفاء. ومن خلال جهود “لايف” وشركائها، يظهر أن العمل الإنساني الحقيقي هو ذاك الذي يضع هذه الفئة في صدارة الأولويات، ويضمن لها ما تستحقه من رعاية وكرامة.