تبدلت خريطة السيطرة العسكرية في الشرق السوري بشكل واضح خلال العام الماضي، بعد أن تقاسمت قوات النظام وميليشياته من جهة، وميليشيا “قسد” من جهة أخرى، “تركة” تنظيم داعش، الذي انحسر إلى مناطق محدودة.
السؤال الذي يطرح الآن: ماذا عن واقع الثروات الباطنية وعلى رأسها النفط في هذه دير الزور وجارتها الرقة، إضافة إلى الحسكة عبر ريفها الجنوبي.
“فرات بوست” وضمن تحقيق موسع، عملت على إعداده خلال الأيام الماضية، حاولت تسليط الضوء على الواقع الحالي للثروات النفطية السورية التي كانت واقعة تحت سيطرة داعش، والمتوزعة بين محافظات دير الزور والحسكة والرقة.
البداية.. دير الزور
لعل المتابع للشأن السوري، لا يعلم أن معظم ثروات دير الزور النفطية كانت من نصيب “قسد”، التي سيطرت على أغني مناطق المحافظة بالثروات الباطنية.
ومن أهمها حقل العمر النفطي (15 كم شرقي مدينة البصيرة)، إضافة إلى الآبار النفطية الواقعة على الجهة الجنوبية الشرقية من الحقل، وتصل طاقتها الإنتاجية اليومية إلى 10 آلاف برميل يومياً، وقد تصل إلى 12 ألف برميل في اليوم.
أما الآبار الواقعة إلى الغرب من حقل العمر، فيبلغ إنتاجها اليومي نحو 10 آلاف برميل يومياً أيضاً.
ويضم حقل العمر النفطي، معملاً للغاز، ومحطة لتوليد الكهرباء، والتي تغذي بدورها عدة قرى في ريف دير الزور الشرقي، إضافة إلى تعبئة أسطوانات الغاز المنزلي بمعدل 1000 أسطوانة يومياً.
أما حقل التنك في بادية الشعيطات، فتبلغ طاقته الإنتاجية الحالية نحو 7 آلاف برميل يومياً، بينما يصل مجموعة الإنتاج اليومي للآبار المجاورة له إلى نحو 20 ألف برميلِ يومياً.
من الحقول الأخرى الخاضعة لـ”قسد”، حقل الجفرة (25 كم شرق مدينة دير الزور)، ومعدل إنتاجه اليومي نحو ألف برميل، كما يحتوي على عشرات الآبار المتوقفة عن الإنتاج.
وهناك أيضاً معمل غاز كونيكو (20 كم شرق مدينة دير الزور)، ومحطة “ديرو” (40 كم شمال غرب مدينة دير الزور)، وحقل “ديرو” في بادية قرية زغير بالريف الغربي، وينتج 300 برميل يومياً.
ومما وقع تحت سيطرة “قسد” كذلك، 8 حقول في بلدة أبو حمام، والطاقة الإنتاجية اليومية نحو 13 ألف برميل، يضاف إلى ذلك بئر الحريجي وينتج 3500 برميل يومياً، وآبار بادية الشحيل بإنتاج 1000 برميل يومياً.
يتم نقل النفط من الحقول أو الآبار في مناطق دير الزور الواقعة تحت سيطرة “قسد” عبر صهاريج صغيرة وكبيرة، مع الإشارة إلى أن تصفية النفط تتم عبر الحراقات البدائية، ومن ثم تباع إلى تجار يكون لهم خيار إرسالها إلى مناطق النظام أو مناطق المعارضة في الشمال السوري، وذلك بعد دفع مبالغ مالية لـ”قسد”، وللحواجز التي تمر منها شاحنات النقل.
بالنسبة للنظام، سيطرته على ثروات دير الزور النفطية محدودة، وتقتصر على حقل الورد الواقع بالقرب من قرية الدوير، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 5 آلاف برميل يومياً، كما يحتوي الحقل على مصفاة نفطية، وهناك حقل التيم (10 كم جنوب مدينة دير الزور)، وطاقته 300 برميل يومياً.
ومن الحقول الأخرى الواقعة تحت سيطرته، محطة نفط الخراطة (20 كم جنوب غرب مدينة دير الزور).
وبالمجمل، فإن لحقول ومحطات دير الزور عدد كبير من الآبار التي تضخ النفط، متفاوتة في إنتاجها طرداً مع كِبر حجم الحقل أو المحطة التي تغذيها هذه الآبار ، وهناك آبار غير مرتبطة بالحقول.
كيف الحال في الرقة؟
حقول النفط التي يسيطر عليها النظام في بادية محافظة الرقة، هي “الوهاب، الفهد، ديسان، القصير، أبو الكطط، أبو قطاش، فيان، الصفيح”، وتقع تحديداً جنوبي بلدة الرصافة بين الرقة وحمص، وتعتبر الطاقة الإنتاجية قليلاً نسبياً، لأنها آبار متفرقة، ويتم نقل النفط الخام بصهاريج إلى مصفاة بانياس وحمص.
وهنا أيضاً بعض الآبار الواقعة ما بين الرقة وريف دير الزور الغربي، تخضع لسيطرة “قسد” عبر ميليشيات محلية تابعة لها.
ماذا عن الحسكة؟
يتركز نفط الحسكة في رميلان التابعة للمالكية، شمال شرقي المحافظة، ومن حقولها الرئيسية سويدية، قره تشوك، رميلان، عودة، سعيده، بدران، لباردة، باب الحديد، مثلوثة، ناعور، مملحة الكوم، بعشوق، عليان، تل عزاب، جنوب قره تشوك، دبيسان، الغدير، سازابا، حمزة دجلة، شامو، اليوسفية.
ويتجمع إنتاج هذه الحقول في محطة الضخ الرئيسة للنفط في تل عدس (كرزيرو)، ومنها يتم الضخ إلى مصفاتي حمص وبانياس، كما تعد الجبسة من موارد النفط الأساسية في الحسكة.
لكن ما سيطر عليه داعش في هذه المحافظة في وقت سابق، كان في منطقة الريف الجنوبي، وتمت السيطرة عليها بعد ذلك من قبل قسد.
أما الأسئلة المطروحة في هذا المجال، فهي: كيف يتم نقل النفط الخام ومشتقاته من الحقول والآبار النفطية إلى منافذ البيع والشراء في الحسكة، وما هي آلية البيع والشراء، والعملة المستخدمة، ناهيك عن السعر الحالية للبرميل؟.
تبين المعلومات، أن بعض الإنتاج يتم توزيعه محلياً (في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية)، لكن القسم الأكبر يتم شحنه عبر صهاريج إلى مصفاتي حمص وبانياس.
وفي هذا الإطار، تم تحويل مركز الثروة الحيوانية القريب من المدخل الجنوبي لمدينة القامشلي، بالإضافة إلى مقر الفوج 46 التابع لنظام الأسد، إلى مركز تجمع رئيسي للعديد من الصهاريج الناقلة للنفط، والتي تعود ملكيتها لمجموعة القاطرجي (بإدارة رجل الأعمال حسام قاطرجي).
أما القسم الثالث فيتم تهريبه من محطة السويدية الرابعة إلى مصفاة عين زالة (إقليم كردستان العراق)، عبر أنبوب قديم كان ينقل النفط المشترى بشكل سري خلال فترة الحصار الدولي على العراق، في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
العملة المستخدمة محليا هي الليرة السورية، أما ما يتم تهريبه لخارج مناطق الإدارة الذاتية (إلى إقليم كردستان)، فيتم التعامل بالعملة الأجنبية (الدولار)، وتتضارب المعلومات حول السعر الحقيقي لكل برميل من النفط الخام، ليتراوح ما بين 45 و51 دولار.
السؤال الآخر: من هي الجهات أو الأطراف أو التجار الذين يشترون النفط المنتج من الحقول الواقعة في المنطقة الشرقية؟.
رجل الأعمال (حسام قاطرجي ) المقرب من نظام الأسد يقوم بدور الوسيط لنقل النفط الخام من حقول النفط في الحسكة إلى مصفاتي حمص وبانياس، وذلك بعد تفاهمات واتفاقيات بين النظام والإدارة الذاتية الكردية التابعة لحزب PYD، وأحد وكلاء القاطرجي في المنطقة اسمه أحمد الرحيل من القحطانية.
وتبين المعلومات، أن النظام أرسل مؤخراً فرق أعمال صيانة لإصلاح الأنابيب الواصلة بين مركز تجميع النفط الخام، في محطة الضخ الرئيسة في تل عدس (كرزيرو)، ومصفاة حمص.
ومؤخراً، أعيدت الدوائر الرسمية الثلاث (عقود الخدمة – المشتريات – المالية ) في حقول رميلان، إلى وكلاء لنظام الأسد.
وفيما يتعلق بتوزيع النفط المنتج، فيتم يتوزيعه محلياً، والقسم الآخر يتم شحنه بصهاريج إلى مصفاتي حمص وبانياس، والقسم الثالث يتم تهريبه إلى إقليم كردستان العراق.