عادة في أي جريمة، يكون المستفيد من وقوعها هو الأقرب إلى دائرة الاتهام، ووفق معايير الواقع والمنطق فإن هذا المقياس أثبت جدواه، ليكون المتهم – المستفيد الأكبر من الجريمة – هو الجاني فعلاً أغلب الأحيان.
منذ أسابيع، تكررت في الشرق السوري الخاضع لسيطرة “قسد” حوادث استهداف الشخصيات العشائرية، ليأتي أبرزها مؤخراً، اغتيال الشيخ امطشر حمود الجدعان الهفل، ما أشعل احتجاجات شعبية عليها الكثير من إشارات الاستفهام، التي لا مجال للإجابة عنها في هذه الأسطر.
عمليات الاغتيال الأخيرة اشترك نظام الأسد وإعلامه من جهة، وناشطين سوريين معارضين له في اتهام “قسد” بالوقوف وراء هذه العمليات، ليعمدوا إلى تحريض أبناء الشرق السوري على الوقوف في وجه “قسد” وطردها من المنطقة.
إذا ما استثنينا النظام وإعلامه الذي يدعو إلى أن تكون قوات الأسد وميليشيات هي البديل عن “قسد” في حال طرد الأخيرة في شرق البلاد، فإن الناشطين المعارضين للأسد والثائرين ضده، لم يقدموا أي بديل – واقعي وقابل للتنفيذ – يطرح للمدنيين القاطنين في تلك المناطق أو أبنائهم المنضوين تحت راية “قسد”.
بمعنى آخر، لو افترضنا أن “قسد” اضطرت إلى مغادرة ما تحتله من ريف دير الزور وريف الرقة، فمن هو البديل الذي ترضاه القوى المتواجدة في الداخل السوري، من بينها أمريكا، روسيا، تركيا، إيران.
بالطبع فرضية أن أبناء المنطقة يحكمونها مستبعدة تماماً، وإن حصلت فتكون لفترة زمنية محددة، ستجبر فيما بعد على الرضوخ لإرادة واتفاقات القوى المتصارعة في سورية، وهو السيناريو الأقرب فيما إذا ما نظرنا إلى ما شهدته سورية منذ عام 2011.
السيناريو الوحيد الذي يستطيع منع السيناريو السابق الذكر من الوقوع، هو وجود قوى عسكرية وسياسية سورية معارضة منظمة خاصة ممن هم من أبناء المنطقة، وتكون لهم رؤية سياسية وعسكرية موحدة، قادرة على فرض وجودها ورؤيتها في الواقع السوري الحالي أو المستقبلي القريب، لكن مع الأسف هذه القوى غير موجودة حالياً.
ما هو موجود من قوى محلية عسكرية أو سياسية من أبناء المنطقة، خاصة الموجودة منها في الشمال السوري، كلنا يعلم عدم استقلاليتها وتابعيتها لقوى إقليمية ودولية، وبالتالي ليست صاحبة قرار.
لا أحد يستطيع إنكار أن “فرات بوست” من أكثر الوسائل الإعلامية المعارضة التي وقفت ضد “قسد” وعملت وتعمل على فضح انتهاكاتها تجاه أبناء المنطقة، لكن الواقع السياسي السيء والعسكري الأسوأ، يتطلب منا التروي في دعوات لا نعلم ما هي تبعاتها، والتي قد تكون من نتائجها التخلص من الأسوأ (قسد) ليكون الأسوأ منه (النظام وميليشيات إيران)، وهو السيناريو الأقرب للتطبيق، إن لم يكن عاجلاً، فأجلاُ بشكل مؤكد.
وفق رؤيتنا، فإن اغتيال الشخصيات العشائرية للنظام و”تنظيم الدولة” مصلحة تفوق مصلحة “قسد”، دون نفي إمكانية تورط الأخيرة في هذه الجرائم، مع التنويه إلى أننا من الذين يشجعون على طردها من منطقة ليست لها (دير الزور، الرقة)، لكن عندما يكون ذلك عبر مشروع سياسي وتكتل عسكري كفيل بفرض نفسه على الأرض، وفي ميدان السياسة، وهو ما لا يتوفر حالياً.. مع الأسف.
مقأل رأي لمدير شبكة فرات بوست الصحفي أحمد الرمضان