بنحو 50 ألف مقاتل: هجوم وشيك لاستعادة السيطرة على الرقة ودير الزور

by Anas abdullah

فرات بوست: أخبار | تقارير

تتصاعد وتيرة التوتر في شمال وشرق سوريا مع ورود معلومات تفيد بأن الجيش السوري يخطط لشن هجوم عسكري واسع النطاق بحلول شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بهدف استعادة السيطرة على محافظتي الرقة ودير الزور، اللتين تقعان حالياً تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.

يأتي هذا في وقت يبدو فيه أن الجهود الدبلوماسية التي تقودها واشنطن للتوصل إلى حل سلمي بين الطرفين قد وصلت إلى طريق مسدود، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات عسكرية قد تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.

حشود عسكرية غير مسبوقة واستعدادات ميدانية:
وفقاً لمصادر أمنية لصحيفة “ذا ناشيونال البريطانية”، فإن العملية العسكرية المحتملة، والتي تتوقف على رفض “قسد” تسليم مناطق سيطرتها، ستشهد مشاركة قوة ضخمة قوامها نحو 50 ألف مقاتل.

وتجري حالياً عمليات حشد لهذه القوات بالقرب من مدينة تدمر الأثرية، كنقطة انطلاق استراتيجية نحو الشمال. وتعتمد الخطة على دعم كبير من العشائر العربية التي تشكل غالبية سكانية في محافظتي الرقة ودير الزور، والتي يُعتقد أنها تحمل ضغينة تجاه “قسد” بسبب ما تصفه بـ”الاستيلاء على أراضيها” منذ عام 2015.

وتشير المعلومات إلى أن التحضيرات الميدانية تجري على قدم وساق، حيث يتم تجهيز مواقع انطلاق للهجوم في مناطق البادية على طريق تدمر-الرقة، وفي بلدة السخنة التي تربط تدمر بدير الزور.

كما يتوقع أن تشارك في الهجوم فصائل سورية موالية لتركيا، والتي أصبحت جزءاً من تشكيلات الجيش السوري الجديد، حيث ستتحرك ضد مواقع “قسد” شرقي نهر الفرات بالقرب من سد تشرين، بالتزامن مع بدء الهجوم الرئيسي متعدد المحاور.

حسابات دولية معقدة: الضوء الأخضر الأمريكي ودور إسرائيل
تُعد الأبعاد السياسية والدولية حاسمة في تحديد مصير هذا الهجوم المحتمل. فقد أكد أحد المصادر الأمنية السورية، الذي يشغل موقعاً حساساً، أن الهجوم لن يتم “من دون ضوء أخضر أمريكي”.

هذا التصريح يسلط الضوء على النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة وأن واشنطن تدعم “قسد” منذ سنوات كشريك رئيسي في الحرب ضد تنظيم “تنظيم الدولة”.

ويُضاف إلى ذلك العامل الإسرائيلي، حيث يُعد ضمان عدم تدخل إسرائيل أمراً حاسماً لدمشق. وتأتي هذه المخاوف في أعقاب حادثة قصف تل أبيب لدمشق الشهر الماضي، والتي جاءت لإحباط هجوم حكومي سوري على مدينة السويداء.

هذا التداخل في المصالح والتحالفات يجعل المشهد السوري أكثر تعقيداً، حيث تتشابك الأجندات المحلية والإقليمية والدولية.

على الصعيد الدبلوماسي، فشلت المحادثات التي ترعاها واشنطن بين دمشق و”قسد” في تحقيق أي تقدم ملموس.

وبات يُنظر إلى “قسد” على أنها “متصلبة” في موقفها، لرفضها تسليم مناطق سيطرتها للحكومة السورية. هذا الموقف يتقاطع مع وجهة نظر أنقرة، التي تسعى بدورها إلى إنهاء وجود “قسد” على حدودها، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية.

العشائر العربية: العامل الحاسم في المعادلة
يُعد دور العشائر العربية في محافظتي الرقة ودير الزور أحد أهم العوامل التي قد تحسم نتيجة أي مواجهة عسكرية محتملة. فوفقاً للمصادر، يُتوقع أن ينقلب آلاف المقاتلين من أبناء العشائر العربية، المنضوين في صفوف “قسد”، عليها عند انطلاق العمليات العسكرية. ويشكل هؤلاء المقاتلون نحو 30% من إجمالي قوام “قسد” البالغ 70 ألف مقاتل، مما يعني أن انقلابهم قد يضعف بشكل كبير من قدرة “قسد” على المقاومة.

 

وتشير المصادر إلى أن هؤلاء المقاتلين “لديهم حسابات طويلة لتسويتها مع قسد”، في إشارة إلى استياء العشائر من استيلاء “قسد” على أراضٍ عربية منذ أن دعمتها الولايات المتحدة عام 2015 لتكون القوة البرية الرئيسية في الحرب ضد تنظيم “داعش”.

هذا الاستياء المتراكم قد يجعل من العشائر العربية حليفاً طبيعياً للجيش السوري في أي عملية عسكرية مستقبلية، خاصة وأن هذه العشائر تشكل الأغلبية السكانية في المنطقة.

بوادر التصعيد: مهل دبلوماسية وتحذيرات أمريكية
لم تكن خطط الهجوم السوري وليدة اللحظة، بل سبقتها بوادر تصعيد واضحة. فقد أفاد موقع “ميدل إيست آي” في وقت سابق أن تركيا والولايات المتحدة، خلال اجتماع مع مسؤولي “قسد”، منحتا قائدها مظلوم عبدي مهلة 30 يوماً لتسريع عملية الانضمام إلى دمشق.

ورغم نفي “قسد” لهذه المهلة مؤخراً، إلا أن وجود مثل هذه التقارير يعكس حجم الضغوط الدولية على “قسد” للتوصل إلى تسوية مع دمشق.

وفي سياق متصل، نقل الموقع عن مصدر إقليمي أن المسؤولين الأمريكيين حذروا “قسد” من أن التحالف الدولي “قد لا يتمكن من حمايتهم إذا قررت دمشق شن هجوم عسكري” في حال عدم الالتزام باتفاق 10 آذار/مارس.

هذا التحذير يشير إلى تراجع محتمل في الدعم الأمريكي لـ”قسد” في حال رفضها التوصل إلى اتفاق، مما يضعها في موقف حرج أمام التهديد السوري.
وفيما يتعلق بالموقف التركي، ذكرت مصادر أمنية أن أنقرة لن تتدخل بشكل مباشر ضد “قسد”، لكن القوات المسلحة التركية “قد تقدم دعماً غير مباشر لعملية محدودة تنفذها القوات السورية”.

هذا الدعم غير المباشر قد يشمل تسهيل تحركات الفصائل الموالية لتركيا أو تقديم معلومات استخباراتية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل أي عملية عسكرية محتملة متعددة الأطراف.

ويكشف الصحفي التركي المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، أن الحكومة السورية تستعد لشن عملية عسكرية ضد “قسد”، في ظل عدم تنفيذ الأخيرة التزاماتها بموجب اتفاق موقّع في آذار/مارس الماضي.

وتصر دمشق على تسليم السدود والمعابر وحقول النفط والغاز، والتي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من سيادتها على الأراضي السورية. هذا الإصرار من جانب دمشق، إلى جانب التحركات العسكرية، يشير إلى أن الخيار العسكري لا يزال مطروحاً بقوة على الطاولة.

التطورات الأخيرة: تسريبات أمريكية وتحركات ميدانية
في تطور لافت، تحدثت تسريبات حديثة عن خطة أمريكية محتملة تقضي بإعادة دير الزور لسلطة دمشق، مقابل اعتراف الإدارة السورية بسيطرة “قسد” على الرقة والحسكة.

هذه التسريبات، وإن لم تؤكد رسمياً، تشير إلى محاولات أمريكية لإيجاد حل وسط يتجنب المواجهة العسكرية. غير أن هذا الحل المحتمل قد يواجه رفضاً من دمشق التي تصر على استعادة كامل أراضيها، ومن “قسد” التي قد تعتبر التنازل عن دير الزور بداية لتآكل نفوذها.

وعلى الأرض، تشهد المنطقة تحركات عسكرية متزايدة. فقد أعلنت “قسد” مؤخراً عن استمرار عملية أمنية في بلدات منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، في خطوة قد تكون استباقية لتعزيز سيطرتها قبل أي هجوم محتمل. كما شهدت المنطقة اشتباكات متقطعة بين الجيش السوري والعشائر من جهة، و”قسد” من جهة أخرى، مما يعكس حالة التوتر المتصاعدة.

مستقبل غامض ومصالح متضاربة
إن المشهد في شمال وشرق سوريا يظل معقداً ومليئاً بالمتغيرات. فبينما تستعد دمشق لعملية عسكرية محتملة لاستعادة أراضيها، تواجه “قسد” ضغوطاً متزايدة من واشنطن وأنقرة للتوصل إلى تسوية. إن فشل الحلول الدبلوماسية يضع المنطقة على شفا تصعيد عسكري قد تكون له تداعيات وخيمة على المدنيين وعلى استقرار المنطقة بأسرها.

يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه التحركات العسكرية مجرد ورقة ضغط من دمشق، أم أنها تمثل نية حقيقية لشن هجوم واسع النطاق. وفي كلتا الحالتين، فإن مصير الرقة ودير الزور، ومعهما مستقبل شمال وشرق سوريا، سيتحدد في الأشهر القادمة، في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية، ودور العشائر العربية الذي قد يكون حاسماً في ترجيح كفة أي طرف.

قد يعحبك أيضاً

دع تعليقاً

ياستخدامك لهذا النموذج أنت توافق على حفظ بيناتك في هذا الموقع

هذا الموقع يستخدم ما يسمى الكوكيز لتأمين أفضل خدمة لكم في زيارتكم لموقعنا، معظم المواقع الكبرى تستخدخ هذه التقنية موافق قراءة المزيد

Privacy & Cookies Policy