*فرات بوست: تقارير ومتابعات
يشهد الشرق الأوسط فصلًا جديدًا من التوتر المتصاعد، تمثل في المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران و”إسرائيل.”
هذه الحرب، التي لا تزال فصولها تتكشف، لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج صراع معقد ومتجذر، تغذيه عوامل تاريخية وسياسية وأيديولوجية متشابكة.
الجذور التاريخية والأسباب العميقة للصراع: لفهم حقيقة الصراع الدائر، لا بد من العودة إلى جذوره التاريخية وتحليل العوامل التي أسهمت في تأجيجه على مر العقود.
«البرنامج النووي الإيراني: الهاجس الأمني الإسرائيلي»
يمثل البرنامج النووي الإيراني نقطة خلاف جوهرية وأحد أهم محركات التوتر. تعتبر إسرائيل هذا البرنامج تهديدًا وجوديًا لأمنها، وتتهم إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية تحت ستار الاستخدام السلمي للطاقة.
في المقابل، تصر طهران على سلمية برنامجها النووي وحقها في تطوير التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. هذا التباين في المواقف أدى إلى عمليات سرية وهجمات سيبرانية واغتيالات لعلماء إيرانيين، تنسبها طهران إلى إسرائيل.
•النفوذ الإقليمي الإيراني- معادلة القوة المتغيرة: تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال بناء شبكة من التحالفات ودعم جماعات مسلحة موالية لها في دول مثل لبنان (حزب الله)، وفلسطين (حماس والجهاد الإسلامي)، واليمن (الحوثيون)، والعراق وسوريا.
“موجة صـاروخية إيـرانية جديدة تسـتهدف إسـرائيل”
تعتبر إسرائيل هذا التوسع في النفوذ الإيراني تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ومحاولة لتطويقها، وتسعى جاهدة لمواجهته من خلال ضربات جوية وعمليات استخباراتية.
•الصراع الأيديولوجي– صِدام الرؤى والمصالح: يمثل التباين الأيديولوجي العميق بين النظام “الإسلامي” في إيران، الذي تأسس على مبادئ الثورة الإسلامية عام 1979، والدولة اليهودية في إسرائيل، أحد أهم أبعاد الصراع.
إذ تعتبر إيران إسرائيل “كيانًا صهيونيًا” غير شرعي وتدعو إلى زواله، بينما تنظر إسرائيل إلى إيران كقوة إقليمية تسعى لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد وجودها.
•تحولات تاريخية في العلاقات: من المفارقات أن العلاقات بين إيران وإسرائيل لم تكن دائمًا عدائية. فقبل الثورة الإسلامية عام 1979، في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، كانت إيران من أوائل الدول “الإسلامية” التي اعترفت بإسرائيل، وكانت هناك علاقات دبلوماسية وتجارية وعسكرية وثيقة بين البلدين. إلا أن الثورة الإسلامية أحدثت قطيعة كاملة، وتحولت إيران من حليف إلى عدو لدود لإسرائيل. هذا التحول الدراماتيكي في طبيعة العلاقات يلقي بظلاله على الصراع الحالي.
•الدور الأمريكي-الحليف الاستراتيجي لإسرائيل: تعتبر الولايات المتحدة حليفًا استراتيجيًا لإسرائيل، وتقدم لها دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا. ترى إيران أن هذا الدعم الأمريكي يشجع إسرائيل على تبني سياسات عدوانية تجاهها وتجاه حلفائها في المنطقة، ويعقد جهود التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات الإقليمية.
•حرب الظل والتهديدات المتبادلة: على مدى سنوات، خاضت إيران وإسرائيل ما يمكن تسميته “حرب الظل”، التي شملت هجمات سيبرانية، وعمليات اغتيال، وتفجيرات، واستهدافًا للسفن والمصالح في مختلف أنحاء العالم.
هذا النمط من المواجهة غير المباشرة، المصحوب بتهديدات كلامية مستمرة، ساهم في خلق مناخ من عدم الثقة والعداء، وجعل الانزلاق نحو مواجهة مباشرة أمرًا واردًا.
•أبرز الأحداث منذ اندلاع المواجهات الأخيرة: شهد التصعيد الأخير سلسلة من الأحداث المتسارعة التي دفعت بالصراع إلى مستوى جديد من الخطورة:
الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية: كثفت إسرائيل من ضرباتها الجوية على أهداف تقول إنها مرتبطة بإيران في سوريا ومناطق أخرى، بما في ذلك ما وصفته بضربات استباقية لإحباط هجمات إيرانية محتملة.
“شاهد؛ الدفــاعات الجوية الإيــرانية خلال اعتراضها هجـ.ـمات إسـرائيلية في مدينة بندر عباس”
وفي تطور لافت، امتدت هذه الضربات لتشمل مواقع داخل إيران نفسها، استهدفت منشآت نووية وعسكرية ومدنية، وأسفرت عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين.
- تزعم إسرائيل أن هذه العمليات ضرورية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني وتقويض قدرات طهران العسكرية.
•الرد الإيراني المباشر: ردت إيران على الهجمات الإسرائيلية بشن هجوم واسع النطاق وغير مسبوق على أهداف داخل إسرائيل، باستخدام مئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.
وأعلنت طهران أن هذا الهجوم يأتي في إطار “حقها المشروع في الدفاع عن النفس” بعد تجاوز إسرائيل “الخطوط الحمراء” من خلال استهداف أراضيها ومواطنيها.
•تبادل الاتهامات والمسؤولية: اتهمت إيران الولايات المتحدة بالتواطؤ المباشر مع إسرائيل في الهجمات التي استهدفتها، وحملتها المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذا التصعيد.
في المقابل، دانت الولايات المتحدة والدول الغربية الهجوم الإيراني على إسرائيل، وأكدت على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
•استهداف الكوادر العلمية: شكل مقتل عدد من العلماء والخبراء النوويين الإيرانيين في الهجمات الإسرائيلية ضربة موجعة للبرنامج النووي الإيراني، وأثار تكهنات حول سعي إسرائيل لـ”قطع رأس” هذا البرنامج من خلال استهداف كوادره الرئيسية.
“غـارات إسـرائيلية تســتهدف ثـكنة ” الإمـام الحسن العسـكرية ” في محافظة كرمانشاه- المصدر وكالة مهر الإيرانية”
•مصير المفاوضات النووية: ألقى التصعيد العسكري بظلاله القاتمة على مستقبل المفاوضات المتعثرة أصلًا بين إيران والقوى العالمية بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
أعلنت طهران أن مشاركتها في أي محادثات مستقبلية أصبحت “غير مؤكدة” و”لا معنى لها” في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية.
•جهود الوساطة الدولية: مع تصاعد حدة المواجهة، تحركت عدة أطراف دولية وإقليمية في محاولة لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها. أبدت دول مثل روسيا والصين وقطر وسلطنة عمان استعدادها للعب دور الوساطة بين طهران وتل أبيب، ودعت إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار.
التداعيات المحتملة للحرب على المنطقة والعالم:
تمتد تداعيات هذه الحرب إلى ما هو أبعد من الحدود الجغرافية لإيران وإسرائيل، وتشكل تهديدًا جديًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي:
•زعزعة استقرار الشرق الأوسط: يهدد الصراع المباشر بين قوتين إقليميتين بحجم إيران وإسرائيل بإشعال حريق أوسع نطاقًا في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أصلًا من أزمات وصراعات متعددة. وهناك مخاوف حقيقية من امتداد المواجهة إلى دول أخرى في المنطقة، وتحولها إلى حرب إقليمية شاملة.
•تأثيرات اقتصادية عالمية: يمكن أن يؤدي التصعيد العسكري في منطقة الخليج، التي تعد ممرًا حيويًا لإمدادات الطاقة العالمية، إلى اضطرابات كبيرة في أسواق النفط والغاز، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني. كما يمكن أن يؤثر الصراع سلبًا على حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد، ويزيد من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.
•أزمات إنسانية وتفاقم المعاناة: أي حرب واسعة النطاق ستؤدي حتمًا إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة، وزيادة أعداد النازحين واللاجئين، وتدمير البنية التحتية، وتفاقم معاناة المدنيين الأبرياء.
•سباق تسلح نووي: قد يدفع الصراع إيران إلى تسريع وتيرة برنامجها النووي والسعي بشكل علني لامتلاك أسلحة نووية، مما قد يشعل سباق تسلح نووي خطير في المنطقة، ويهدد بتقويض نظام منع الانتشار النووي العالمي.